الدعم السريع هو مليشيا تابعة لأسرة دقلو وذات تكوين قبلي محصور ومحدود
إنتصار الدعم السريع غير مقبول ويعني تدمير الدولة. ونقطة قوة الدعم السريع ليست في انتصاره لأن انتصاره غير مقبول لكل السودانيين تقريباً وقادة المليشيا يدركون ذلك. يدركون أنهم لو هزموا الجيش فلن يستطيعوا أن يحكموا البلد. يدركون بوضوح أن بقاء الجيش والدخول معه في تسوية هو فرصتهم الوحيدة.
ولذلك، فإن نقطة قوة المليشيا في التفاوض، في المزايدة على مؤسسة الجيش التي ترزح تحت ركام الدولة السودانية وتتحمل كل أخطاءها؛ الجيش في وجه المدفع يمثل الدولة وفشلها بينما الدعم السريع يزايد بقضايا التهميش وينادي بالإصلاح.
بالتالي يجب سحب هذا الكرت من يد المليشيا وحلفاءها. الجيش برغم كل مشاكل الدولة هو المؤسسة القومية التي تمثل وتعبر عن كل السودانيين. الدعم السريع هو مليشيا تابعة لأسرة دقلو وذات تكوين قبلي محصور ومحدود وتضم مرتزقة أجانب من دول ليبيا وتشاد والنيجر وجنوب السودان وغيرها. وهي مدعومة عسكرياً من الخارج بهدف ضرب الدولة نفسها بجيشها ومؤسساتها، وممارساتها خلال هذه الحرب تدل على ذلك. وبالرغم من كل ذلك، فهي سترفع راية المهمشين والظلم وراية الديمقراطية ومعها حلفاءها في نفس الخط. الولايات المتحدة تدرج تجمع القوى المدنية في اديس ابابا ومفاوضات جدة ضمن ما تصفه باستعادة المسار الديمقراطي، وتحالف المليشيا مع قحت يطرح نفسه بوصفه المعبر الحصري عن هذا لمسار بينما الجيش هو العقبة، هو الذي انقلب على المسار الديمقراطي وهو المتهم بكونه جيش النظام السابق وفي الرواية الأكثر تطرفاً جيش السودان القديم، جيش المركز الذي ظلم وهمش الأقاليم وبالتالي فهو المستهدف الأساسي بعملية التفكيك والإصلاح.
الجيش عنده خياران للتعامل مع هذا الوضع. الخيار الأول هو حسم المعركة عسكرياً وتجريد المليشيا من كروت قوتها العسكرية، ومن ثم يذهب إلى عملية حوار سياسي شامل وحقيقي تُناقش وتُعالج فيه كل مشاكل الدولة السودانية بما في ذلك قضايا إصلاح الجيش نفسه، لا مانع من مناقشتها في أفق وطني خالص بعيداً عن الأجندة الخارجية التي تهدف لإخضاع الدولة السودانية والهيمنة عليها وكذلك بعيداً عن الحزبية. هذا الخيار سيكون متاحاً في حالة واحدة هي الإنتصار الحالسم.
الخيار الثاني هو المضي في التفاوض، وفي هذه الحالة فعلى الجيش أن يعد العدة جيداً لمعركة سياسية. يجب تجريد المليشيا وحلفاءها من ميزة المزايدة على الجيش بمطالب الإصلاح والديمقراطية وغيرها من الشعارات. يجب أن يكون الجيش هو من يطرح الرؤية السياسية للحل ويجر إليها الآخرين، لا أن ينجر هو إلى مطالب الآخرين من موقع المكره المجبر. سواء تعلق الأمر بالديمقراطية ورد السلطة إلى الشعب أو بالحوار السياسي الشامل أو بقضية الجيش الواحد أو غيرها من القضايا. القوة هنا تكمن في الطرح الموضوعي الصادق الذي يقدم حلولاً وطنية ولا يتنازل عنها أبداً لمصلحة أجندة خارجية أو حزبية.
الجيش سيكون في موقف أخلاقي قوي إذا تمسك بالشعب كمرجعية عليا وحيدة وأن لا يسمح أبداً لفئة محدودة مهما كانت مدعومة خارجيا أن تختطف تمثيل الشعب. إذا قلنا أن القضية هي الديمقراطية فلنتحتكم للشعب، إذا كان الحل في الحوار فليكن حواراً شاملاً بلا استثناء، إذا كانت القضية هي الإصلاح الشامل فلتكن على أسس صحيحة ومسنودة بشرعية شعبية حقيقية. بهذه الطريقة لن يكون الجيش مضطراً لتقديم أي شيء للمليشيا أو للعملاء المتحالفين معها.
الطبيعي أن مليشيا قبلية مدعومة من الخارج ولم تعرف إلا بالفساد والإجرام والانتهاكات وتحالف أحزاب عميلة تمثل أجندة قوى خارجية بأكثر مما تمثل نفسها، لا يمكن أن يكونوا في موقف سياسي وأخلاقي أفضل من الجيش القومي الذي يمثل كل الشعب السوداني. فإن تكلمنا بموضوعية لا يمكن أن يكون لعائلة دقلو ومن اتبعها أولتحالف قحت أي حق ليأحذوه لنفسهم عن طريق التفاوض ولا عن طريق البندقية. ولكن نخشى على الجيش وعلى الشعب السوداني والبلد من قيادة الجيش التي سلمت البلد من قبل لشلة من العطالى الذين لا يمثلون إلا أنفسهم وسمحت للمليشيا أن تتمدد حتى كادت أن تبتلع الدولة.
البرهان قال ذات مرة نحن (يعني الجيش) أوصياء على الفترة الإنتقالية، نتمنى أن يكون قدر هذا الكلام. حقيقة الجيش اليوم وصي على البلد ومصيرها بالحرب أو بالتفاوض مرهون بموقف الجيش. المليشيا وحلفاءها يقاتلون لمصالحهم ومصالح أسيادهم وداعميهم، ولن يأتي من جهتهم خير للدولة أو الشعب. لذلك نقول الجيش هو الوصي رغم أن هذا بحد ذاته فشل لشعب كامل بقواه الاجتماعية والسياسية.
حليم عباس