من دفاتر الفاشية الفكرية والكسب السياسي غير المشروع
من دفاتر الفاشية الفكرية والكسب السياسي غير المشروع:
من أغبى الممارسات واكثرها ابتذالا في الخطاب السياسي السوداني اتهام شخص بالنفاق إذا كان يعيش في الغرب ومع ذلك ينتقد سياسته الخارجية أو سياساته الاقتصادية أو اهيمنته علي مصير الشعوب الأخري.
ويعني هذا المنطق الأخرق أن على كل شخص أن يتماهي مع سياسات حكومة البلد الذي يعيش فيه. لذلك فإن أي شخص يعيش في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، سواء كان أمريكيًا أصليًا أو مهاجرًا، عليه أن يدعم جميع السياسات المفروضة. من قبل الحكومة الأمريكية. ولجعل الأمر أسوأ، يتعين عليه أن يدعم بنفس القدر من الحماس السياسات التي نفذتها الإدارات المتعاقبة، على سبيل المثال، من كارتر إلى ريغان إلى بوش إلى ترامب.
وينبغي تطبيق هذا المنطق على جميع الذين يعيشون في أي مكان آخر في العالم. يجب على من يعيش في مصر أن يدعم كل ما تفعله الحكومة المصرية سواء كان يرأسها مرسي أو حسني أو ناصر. وكذلك واجب من يعيش في كوريا الشمالية أو ارتريا أو في أي من دول الحليج.
إن القول أن علي كل شخص تقديم الدعم الكامل لسياسات حكومة البلد الذي يقيم فيه يعبر عن عقلية أسوأ من الفاشية بما لا يقاس لانها تلغي البعد الحضاري المركب وتخترل الشعوب في حكوماتها ونظمها السياسية المتبدلة.
هذا المنطق السخيف يفشل في رؤية أن هناك في الغرب ما هو أكثر من سياسات حكومته. على سبيل المثال، الولايات المتحدة ليست مجرد إدارة بايدن. وعلى قدم المساواة، هناك مدارس فكرية أمريكية مختلفة وأشخاص مثل دي بوا، وفريدريك دوغلاس، وبيل هووك، وبيرني ساندرز، وتنهيسي كوتس وآيمي غودمان، ونعومي كلين ونعوم تشومسكي، وكورنيل ويست، وغيرهم.
وما يضيف النفاق إلي الغباء أن الذين يتهمون منتقدي الغرب الذين يعيشون هناك بالنفاق، لا يتذكرون أبدا أن يخبرونا لماذا عاشوا في السودان وانتقدوا حكومته أو لماذا عاشوا في مصر أو الخليج ودعوا إلى الديمقراطية بدلا من التبشير بالنظم السياسية السائدة في دول معاشهم.
هذا النوع من المعلقين الأغبياء كان سيدين النبي محمد لأنه عاش في مكة وهو ينتقد آلهتها وغرانيقها العلي واللات والعزي ومناة. وكانوا سيدينون ماركس لأنه كتب «رأس المال» بينما كان يعيش في لندن ويقتات علي هبات صديقه الراسمالي فريدريك انجلز، وينتقدون غرامشي لمعارضته الفاشية بينما كان يعيش في ظل فاشية موسولوني. ويمكنهم أيضًا إدانة البوعزيزي لمقاومته نظام بن علي بينما يكسب المال في تونس من بيع الخضار في شوارع العاصمة. وكانوا سيضحكون على سقراط لانتقاده الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في أثينا.
باختصار، هؤلاء الذين يدعون الناس إلى التماهي مع أنظمة بلدان إقامتهم، يجعلون من المستحيل على البشرية أن تحقق أي تقدم سياسي أو أخلاقي أو فكري، لأن منطقهم أسوأ بكثير من أي شمولية فاشية يمكن أن نتصورها.
إذن ما هو نوع الأشخاص الذين يمكنهم انتقاد شخص ما بسبب اختلافه مع سياسات حكومة البلد الذي يقيم فيه؟ هناك نوعان هنا. النوع الأول: المصابون بالجهل السياسي والفكري. يمكننا أن نعذر هؤلاء الأشخاص لأنهم يستطيعون التعلم والتخلص من الأفكار السيئة.
النوع الثاني هم الدجالون الفكريون وهم سطحيون ولكنهم يظنون أنهم عميقون، والأسوأ من ذلك أنهم لا يترددون في استخدام أي فكرة رخيصة أو غير شريفة أو غبية للتقليل من قيمة أعدائهم الفكريين وإسكاتهم وهكذا يدنسون السياسة والفكر معا ما يؤهلهم لتبوء مكانًا خاصا في درك أدنى من دوائر جحيم دانتي.
معتصم اقرع