عن وضع الحرب في السودان
أدركت الميليشيا الخطأ العسكري الذي وقعت فيه بمواصلة القتال في الخرطوم من بعد خسارتها في معركة القيادة العامة في ١٥-١٦ أبريل وركزت أغلب جهودها العسكرية في دارفور حيث تمكنت من إسقاط ٣ فرق عسكرية (نيالا، زالنجي والجنينة) في وقت قياسي مُتوقع، حيث تملك الميليشيا الأفضلية في دارفور وإذا ما كانت الميليشيا قد هجمت على حاميات دارفور في صبيحة ١٥ أبريل كان بإمكانها إسقاط كل دارفور في ٣ أيام بدون مجهود يذكر في استغلال لفرصة خاطفة،
ولكن التوجه للخرطوم ربما كان الخيار الأنسب سياسياً كما أن خطة انقلابهم كانت محكمة ولو لا لطف الله ثم بسالة المرابطين في القيادة العامة كان من الممكن أن نكون الآن في مملكة آل دقلو، فاسقاط الخرطوم يأتي بنافذة صغيرة مدتها ٢٤ ساعة، عليك في هذه الساعات الاستيلاء على القصر، الإذاعة، المدرعات، القيادة العامة، المهندسين ووادي سيدنا،
أما إذا فشلت خطتك في خلال هذه الفرصة الضيقة فستجد نفسك في حرب طويلة أمام أكثر مدن السودان احتواءاً على المعسكرات التي ستكون قد رفعت من جاهزيتها في خلال هذه الساعات، حيث تملك الخرطوم حوالي 17 معسكراً (غير شاملة المرافق العسكرية الأخرى) يتبع للجيش، تمكن الدعم السريع في خلال ٦ أشهر من الهجمات المتواصلة من إسقاط 4 من هذه المعسكرات ولم يتمكنوا حتى الآن من إسقاط المعسكرات الثلاث الكبرى (المدرعات، المهندسين ووادي سيدنا).
التوجه إلى دارفور قرار عسكري سليم، ولكن تكلفته السياسية عالية، فحيث يمكنك في الخرطوم -بمعاونة اذرعك السياسية والإعلامية- من إيجاد تبريرات وغطاءات لبربرية الميليشيا، ولكن في دارفور فإنك لن تتمكن من تبرير المجازر والتطهير العرقي الذي لا يمكنك السيطرة عليه حيث سيكون هذا أحد المحركات الأساسية لأفراد الدعم السريع في دارفور كما شاهدنا بالفعل المجازر التي يرتكبونها هناك، وهذا أمر كان يدركه حميدتي جيداً، حيث انحسر القتال في دارفور في تأمين خطوط الإمداد من أفريقيا الوسطى، تشاد وليبيا ولم تسعى الميليشيا للتمدد هناك حتى أتى عبد الرحيم وبدأ التوسع ليفتح بهذا صندوق باندورا الذي لن يتمكن أحد من توقع ما سيخرج عنه مهما كان ضليعاً في التحليل.
فشلُ منبر جدة في الوصول إلى هدنة/وقف إطلاق نار أمر متوقع، فالميليشيا لا تود الخروج من منازل المواطنين وهو الشرط الأساسي في اي عملية وقف إطلاق نار طويلة الأمد، ويبدوا أن المنبر كان مجرد استعراض دبلوماسي من الوساطة في لعب دور صانع السلام حتى أجلٍ لاحق.
وسط العجز السياسي للبرهان، والذي يمثل عاملاً مؤثراً أكبر من العسكري، فإننا قد دخلنا مرحلة جديدة من تغير قوانين فوضى الحرب، وهنالك متغيرات كثيرة تجعل التكهن بمسار الأحداث في المستقبل أمراً مستحيلاً، وإذا ما تواصل هذا العجز فإننا سنشهد المزيد من الفوضى في حالة لا نهائية من ال uncertainty.
.
.
بالنسبة لكبري شمبات، فأظن أن الجيش قد أسقطه لأن إسقاط هذا الكبري يعني قطع شريان أساسي للميليشيا، ولكن عند رؤية صور الجسر المُدمر تبادر لذهني سؤال مهم، فإن الجسر قد قُطع عن طريق تدمير أحد الدعامات في أسفل منتصف الجسر، فما هو السلاح الذي يملك زاوية هجوم مناسبة لإصابة أسفل الجسر هكذا؟ فمنذ بداية الحرب، وبحسب الترسانة الحربية التي يملكها الجيش، فإن خيارات تدمير الجسر كانت محصورة في استهدافه من الأعلى إما باستخدام قنبلة عالية التفجير (مثل بركان) أو إمطاره بقذائف مدفعية و صاروخية، ولكن تدميره من الأسفل أمر صعب، فحتى الطيران الحربي لا يمكنه الاقتراب من الكبري كثيراً بسبب كثافة المضادات الأرضية للدعم السريع، واستخدام صواريخ مضادة للدروع موجهة بالليزر يحتاج الإقتراب من محيط كبري شمبات الذي تسيطر عليه الميليشيا والذي يجعل خيار القيام بعملية نوعية أيضاً صعب.
والسؤال الأهم هو ما الذي تغير؟ فالبرهان ظلّ رافضاً إسقاط الجسر رفضاً قاطعاً رغم محاولات سلاح المهندسين الحثيثة في تقديم مقترحات تفضي لقطع الجسر بدون التسبب في ضرر يصعب إصلاحه.
كما ذكرت، فإن محاولة التنبؤ بالقادم أمر صعب، ولكن المؤكد أن العمليات الحربية ستتواصل بعنف خصوصاً في أمدرمان.
نصر الله قوات شعبنا المسلحة وثبت أقدامهم وسدد رميهم.
احمد الخليفة