مناوي وجبريل… برج الميكافيلية
ليس مذكوراً في هوية السودان، في أي فصل من العام ولد، ولكن أظنه فصل الصيف، فالأشياء به دائما متقلبة، لا تستقر على حال، أحيانا قائظة، وأخرى عليلة كالنسيم.
حتى مواقف أحزابه السياسية متقلبة، وهذه أظنها ولدت في برج سوء الحظ، لأنها بارعة في تضييع الفرص الذهبية في ملعب السياسة، ودائما تحصد نتائج على شاكلة “دقت في العارضة”، ومرات قليلة يحالفها الحظ و الفوز بموقف وطني وعادة يأتي متأخراً.
ولأن الأصل في السياسة الحكم، وامتلاك صنع القرار، والطرق التي لا تقود إلى تلك الغاية، مهما ارتقت قيمتها أخلاقياً، لا مكان لها في واقع الصراع على السلطة، لذلك السبب، بعد هجوم “عبد الرحيم دقلو” الأخير على إقليم دارفور، وخطابه الذي فضح نواياهم الحقيقية، كان أمام “مناوي” تحديداً خياران: أما التطبيع مع الدعم السريع وبالتالي التمرد على الدولة وفقدان منصب الحاكم الذي حصل عليه بطريقة شرعية( اتفاق جوبا للسلام) ، ولكنه سيكون بمأمن من بطش الجنجويد، وسيدخل حظيرة مشروع الإمارات وبالتالي ستنفق عليه أموال طائلة، أو اتخاذ الموقف الصحيح والانحياز لصف الدولة ومن ثم الاحتفاظ بشرعية منصب حاكم الإقليم حتى وإن كان حاكم لدارفور من بورتسودان.
طيلة الفترة الماضية… كنت أستغرب مواقف حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان “مني اركو مناوي” و وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة “د. جبريل إبراهيم” تجاه معركة الكرامة، فتاريخ الرجلين يؤكد على أن التصالح مع مليشيات الجنجويد أمر مستحيل، فلماذا اتخذا موقف الحياد؟.
إبان الصراع حول الاتفاق الإطاري، كنت على تواصل مستمر مع القائد “مناوي” نتبادل الآراء حول الأزمة السياسية من موقعي كصحفية وكاتبة مختصة في الشأن السياسي، وبصفته زعيم سياسي ومسؤول حكومي، كان “مناوي” شديد التمسك بموقفه الرافض للتدخل الأجنبي في الشأن السوداني، على طريقته الساخرة يعلق على القضية الشهيرة التي رفعها ضدي قائد المليشيا عندما كان نائباً للرئيس ويحظى بنفوذ الدولة، وبما أن ملامح اندلاع الحرب بانت منذ أن وضع “حميدتي” نفسه كطرف ثالث في الاتفاق الإطاري الذي بدأ كحوار بين المؤسسة العسكرية (القوات المسلحة والدعم السريع) وأحزاب سياسية، كنت على ثقة بأن أول من سيعلن القتال ضد الجنجويد هو القائد “مناوي”… لماذا تأخر لا أدري؟…
الدكتور “جبريل إبراهيم” ليس بيني وبينه تواصل، ولكن كمراقبة للراهن السياسي، كنت على يقين أيضا أنه لن يصالح الجنجويد أبداً، الرجلين رفضا العمل تحت عباءة حميدتي بينما كان الدكتور “الهادي إدريس” و”الطاهر حجر” يحجان يومياً إلى موائد عبد الرحيم دقلو، وكان “الهادي” يتبع حميدتي كظله أينما حط رحاله.
تساءلت كثيراً وفي عدة مقالات سابقة، هل بنى القائدان “جبريل” و”مناوي” موقفهما المحايد على تحليل قد يرجح كفة الجنجويد في نتائج الحرب؟، أم أنهما رأيا ما رأته قوى الحرية والتغيير_المجلس المركزي من قبل أن انقسام المنظومة العسكرية آنذاك، هو البوابة الأكثر سهولة في توزيع إرث الدولة، مثل الموارنة والسنة في لبنان، وبالتالي خلقوا حالة استقطاب حادة داخل الكيان السوداني، ثم اندلعت حرب 15/ أبريل ومعها قضية لا نقاش فيها: وحدة التراب السوداني والدفاع عن سيادة البلاد وما عدا ذلك خونة أو جبناء في أحسن الأحوال.
ولكن بعد (7) أشهر من اندلاع الحرب، أعلن القائدين “مناوي” وجبريل “موقفهما المناصر للحق في وقت استفحل فيه الباطل، وأن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي، العودة إلى منصة القضية الوطنية لعمري أنها خطوة تستحق الاحتفاء، فلا يمكن أن يبصقا على تاريخهما العامر بالمواقف الشامخة ضد الاستبداد.
وقد سبقهما إلى صف الدفاع عن وحدة التراب السوداني القائد الشاب والبطل صديقي وأخي” مصطفى تمبور “، سليل ديمنقاوية الفور، رفيق درب النضال أيام دراستنا الجامعية، ظل صادقاً ومقداماً ومثالياً إلى حد بعيد في مواقفه الراسخة والمبدئية منذ أن التقيته أول مرة قبل سنوات.
بعد ساعات من اندلاع الحرب كان” تمبور” يتحدث عبر الفضائيات العالمية عن موقفه المساند لقوات الشعب المسلحة، وبعدها بأسبوع واحد كانت قواته تقاتل تحت إمرة الفرقة (21) مشاة_زالنجي والفرقة السادسة مشاة_الفاشر والفرقة (16) مشاة_نيالا، وكان هو يقاتل من موقعه كسياسي في كل ميادين السياسة دفاعاً عن السودان ووحدته وقواته المسلحة.
في كل الأحوال سيشهد المسرح السياسي السوداني تحولات كبرى خلال الفترة القادمة، وخاصة بعد أن أعلنت كل القوى الوطنية صاحبة القواعد الجماهيرية انحيازها للقوات المسلحة وهي تخوض معركة الدفاع عن الوطن، كما يقاتل الشباب السوداني في كل الميادين بجانب جيشه الوطني منذ اندلاع الحرب…
رشان أوشي
الجمعة، 17/ نوفمبر/ 2023
محبتي واحترامي