رأي ومقالات

🔺 خطاب الحرب والسلام والدعاية السياسية

خطاب الحرب والسلام والدعاية السياسية:
أحد التطورات السياسية الرئيسية في مرحلة ما بعد 2019 هو دخول تقنيات الدعاية والعلاقات العامة المتقدمة التي تم تمويلها سراً من خارج السودان. وهذا هو السبب الذي يجعل مجموعة معينة، قحت بالذات، تقدم نفس النقاط لوسائل الإعلام بنفس المضمون والموقف والفرق الوحيد بين مختلف متحدثيها هو الأسلوب وليس الجوهر.

لقد ظل خطاب قحت الإعلامي متقدمًا جدًا ومصممًا بشكل جيد ويتم تنفيذه بانضباط صارم من جميع المتحدثين باسمها. لا يحيد أي متحدث رسمي عن نقاط الحديث المكتوبة لهم بعد أن تم إعطائهم تدريبًا إعلاميًا جيدًا.

ولكن دعونا نتفحص جوهر خطاب قحت الإعلامي، والذي يمكن تلخيصه فيما يلي:
🔺هذه الحرب بدأها إخوان المؤتمر الوطني.
🔺قحت تريد السلام كأولوية ملحة.
🔺الإخوان يريدون إطالة أمد الحرب.

🔺قحت لا تنتقد الجيش، بل تلقي كل انتقاداتها على إخوان المؤتمر الوطني الذين يسيطرون على الجيش. في خطابها هذه حرب ضد الأخوان لا علي الجيش.

🔺وتقاتل قوات الدعم السريع الإخوان الذين يسيطرون على الجيش ولا تحارب ضد الدولة السودانية.

🔺إن إخوان المؤتمر الوطني ضد السلام وهم السبب الرئيسي لعدم انتهاء الحرب.
🔺قحت ضد تمثيل إخوان المؤتمر الوطني في أي مفاوضات سلام لأن مشاركتهم تعني مكافأتهم على العدوان الذي ارتكبوه كما يردد كادرها القيادي كثيرا بالذات عقلها المفكر وقلبها النابض السيد ياسر عرمان.

من واجبنا الآن أن نلاحظ أن خطاب قحت منافق وغير متسق.

لنفترض أن قحت على حق:أي أن إخوان المؤتمر الوطني يسيطرون على الجيش ويتسببون في استمراره. وهكذا تصبح هذه حرباً ضد جيش يسيطر عليه الإخوان. إذا كان هذا صحيحا، فإن قحت أمام خيارين. الأول هو التفاوض مع أعدائها الذين يسيطرون على الجيش إذا كانت جادة في أولوية السلام، لأنه بحكم التعريف فان الجماعات تصنع السلام مع أعدائها، ولا أحد يصنع السلام مع أصدقائه. وتسهيل السلام عن طريق التفاوض مع العدو هو ضد وعكس رفض قحت إشراك الإخوان في محادثات السلام.

لذا يا قحت، إذا كنت تريدين السلام حقاً، فتفاوضي مع عدوك الذي يسيطر على الجيش المقاتل وكفي عن هذا الهراء السخيف بتكرار أن مشاركة إخوان المؤتمر الوطني في أي عملية سياسية عبارة عن مكافأة لا يستحقونها. من يريد السلام يتفاوض مع عدوه خاصة إذا كان هذا العدو يسيطر على جيش.

بكلمات بسيطة، قحت لا تستطيع أن تأكل كبستها وتحتفظ بها فهذه شراهة وطفاسة. عليها أن تختار بين خيارين: إما أنها تبحث بصدق عن السلام، وفي هذه الحالة يتعين عليها التفاوض مع الإخوان الذين تدعي أنهم يسيطرون على الجيش.

أو يمكنها إعطاء الأولوية لمعاقبة الإخوان فوق السلام والإصرار على عدم مشاركتهم في العملية السياسية. يحق لقحت أن تعطي الأولوية لإنهاء الإخوان، وهذا قرار سياسي متروك لتقديرها، فهو خيار مشروع، ولكن في هذه الحالة سيكون من النفاق والتضليل الشديد الإصرار على أنها حمامة السلام وأن الإخوان هم دعاة الحرب الوحيدون. في هذه الحالة، على الأقل، لا فرق فيما يختص بأولوية السلام بين خطابها وخطاب أعدائها الذين تتهمهم بأنهم المدافعون الحصريون عن أستمرار الحرب.

إذا كانت قحت تصر علي عدم مشاركة الاخوان ألذين تدعي أنهم يسيطرون علي الجيش فلا فرق بينها والبلابسة الا في درجة النفاق وجودة التدريب الاعلامي النوعي الذي حصلت عليه .
والآن دعونا نفكر في سؤال ما العمل مع الإخوان. إذا كان إخوان المؤتمر الوطني يسيطرون على الجيش، وإذا كانوا قوة رئيسية في السياسة السودانية، وإذا كان الهدف هو التوصل إلى تسوية سلمية للحرب السودانية، فيمكن لقحت وأصدقائها رفض إشراكهم في عملية المفاوضات السياسية ومحاربتهم للأبد وهذا يعني المزيد من الدمار.

دعنا الآن لنفترض أن إخوان المؤتمر الوطني قوة صغيرة منهكة ومهزومة بعد إنتصار ثورة الشباب في 2019. وفي هذه الحالة سيكون من الممكن استبعادهم من العملية السياسية ومعاقبتهم والمضي قدماً دون دفع ثمن باهظ في شكل حرب شريرة ضروس . ولكن إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان إخوان المؤتمر الوطني مجموعة ضعيفة يمكننا استبعادها دون أي تكلفة من حيث الدمار ودماء ومعاش الآخرين بينما نحن نرفل في العواصم الآمنة (كما هو حالي)، فلماذا تستمر قحت في الادعاء بأن هذه المجموعة تسيطر على الجيش وتمتلك القوة والوسائل اللازمة لضمان استمرار الحرب؟ في هذه الحالة علي قحت أن تتسق وتقول أن إخوان المؤتمر الوطني قوة ضعيفة معزولة وان هذه الحرب ضد الجيش وضد الدولة السودانية.
إن حقيقة عدم اكتشاف هذه التناقضات أو تحديدها أو مناقشتها في مساحات الرأي العام السوداني عبارة عن شهادة نجاعة وذكاء لحملة قحت الدعائية وشهادة تثبت أن جميع كادرها القيادي والمتحدث الرسمي باسمها يتلقي تدريبًا إعلاميًا قويًا ودعمًا مستمرًا في حملاته ذات الصلة بالعلاقات العامة.

ملحوظة ختامية: هذا المقال يتناول قضية شديدة الأهمية وهي قضية الحرب والسلام ولم يرد فيه أي مدح لاخوان أو جيش. ملخص المقال هو أنه إذا كانت هذه حرب الأخوان فان صنع السلام يعني إشراكهم في المفاوضات السياسية. وان لم تكن حرب الأخوان فعلي الدعاية المضادة أن تكف عن القول بانهم سبب الحرب وأنهم يسيطرون علي قرار الجيش المحارب.
ولمنع سوء الفهم المتعمد أو نتيجة عدم قدرة على فهم المواقف المعقدة، لاحظ أن هذا المنشور لا يجيب على سؤال ما إذا كان الإخوان يسيطرون على الجيش بنعم أم لا. وهو لا يجيب على سؤال ما إذا كانت المفاوضات هي أفضل مسار بنعم أم لا. يقول هذا المنشور فقط أن من يدعون أن الإخوان يسيطرون على الجيش وأستمرارية الحرب عليهم أن يتفاوضوا معهم إذا كانوا يسعون حقًا إلى السلام. ولكن إذا كانوا لا يريدون إشراكهم في العملية السياسية، فهذا يعني أن السلام ليس من أولوياتهم ولا داعي للأكاذيب والادعاءات واتهام الآخرين بالبلبسة واعفاء الذات فبلابسة الطرف الآخر لا يدعون أنهم حمائم سلام.
معتصم أقرع