رأي ومقالات

الكراهية بين تنظير علمي وواقع أليم

يصادف يوم الثالث من يناير مرور سنة على قيام منشط علمي مهم، ففي هذا التوقيت من العام الماضي 2023 انعقدت الندوة الاستفتاحية للمؤتمر العلمي الأول لكلية الإعلام بجامعة أفريقيا العالمية بعنوان: (الإعلام وخطاب الكراهية- التحديات والحلول). أدار هذه الندوة البروفيسور علي محمد شمو الخبير الإعلامي المعروف، وكان حضورها أكثر مما توقعته لجنة تحضير المؤتمر، ويعزى ذلك إلى أن القضية المطروحة قد لامست وجدان كل الشعب السوداني، في وقت كنا نحسبه أسوأ ما يمر به تاريخ السودان إلى أن تبين لنا أن القدر كان يخبئ لنا الأسوأ، وأعقب الندوة في اليوم التالي افتتاح المؤتمر وجلساته التي ناقشت أكثر من عشرين ورقة علمية تناولت خطاب الكراهية بعدة مدلولات وجوانب سياسية واجتماعية وإعلامية ونفسية وقانونية، وجدت حظها من حضور متنوع أثرى هذه الأوراق بالنقاش الجاد والحلول التي كان يمكن بها إيجاد منفذ للخروج من نفق الكراهية الذي اقحم فيه شعب السودان المكلوم دون إرادته، إلا أنه ولعله سمة المجتمعات الأفريقية فيه أن العلم والسياسة فيه أعداء لا يتفقان، أو كامرأة وضرتها لا تجتمعان وإن كانت المصلحة بينهما مشتركة، ودائما ما أقول إننا لسنا في حاجة للتنظير والحديث، بقدر ما أننا في حاجة إلى وضع آليات التنفيذ ومراقبة ذلك واستمرارية الأدوات وديمومتها. وأحزنني أن الكل اتفق على أن الكراهية هي المعوق الأول لنا في السودان لتحقيق تنمية وتطوير، ولكنه يظل حديث المساء المدهون بزبدة تخرج عليه شمس الصباح فتذيبها. لفت انتباهي في هذا المؤتمر الذي كلفت فيه بأعمال لجنة الإعلام أن المجتمع السوداني بكل طوائفه وقبائله أبدى حبه لهذه الفعالية التي تنبذ الكراهية، وأراد المشاركة وتفاعل مع كل ما دار فيها، واستبشرنا خيرا بأن لا يقف ذاك النقاش عند قاعة المؤتمر بل يتعداه إلى خروجنا كإعلاميين لتوعية المجتمع وخاصة مجتمعات الهامش وتعريفهم بضرورة المشاركة في صنع المحبة، إلا أننا لم نكن نعلم بأن الأيام كانت تدبر لنا من أنواع الكراهية ما لم نحسبه ولا نتخيله، حيث جاءت الحرب وكان لجامعة أفريقيا نصيبها من الدمار وأصابتها لعنة الكراهية التي أصابت الخرطوم كلها، وهي التي كانت تنادي بالمحبة والسلام. حينها سكت الكلام وحل بها ظلام وغمام ، وصارت خرابا وركام.
ولا أزال أتساءل يوما بعد يوم إلى متى نبحث عن حلول لمشاكلنا عبر البندقية، وإلى متى يظل العلم عندنا شهادة لا توفق بها حتى في إيجاد وظيفة، ولكنها تبقى مستندا مطلوبا في ملفك السري وإن كانت غير حقيقية. وإلى متى لا يكون العلم والمعرفة هما الهادي إلى سواء السبيل.
لا أجد في من يحمل السلاح متعديا على الآخر إلا جاهلا يستحق الاشفاق… وأراه لا يؤذي إلا نفسه، ولا يعلم من ذلك شيئا، إنهم قوم يجهلون لا يملكون وعيا، وتعريف الوعي أنه حالة دراية المرء بمحيطه والاستجابة له لكنه من الواضح أن هؤلاء لا يعلمون ماذا يحيط بهم ولماذا يفعلون ما يفعلون، ولو علموا و أدركوا لما فعلوا فعلتهم التي فعلوها، ولما اسكنونا دار البوار.
إن الكراهية لا تحارب بالكراهية، وإن السلام لا يأتي الا بالرأي الجمعي و إن الرأي الجمعي لا يتكون الا بوعي الأفراد ، والأفراد في عنق من وكلت لهم الزعامة و القيادة. وكل من علم ولم يعمل بما علم به وله بكلمة حق قالها ولم يسكت عن قولها، فقد أوفى بواجبه وقدم ما هو مطلوب منه. وفي ذلك يحضرني قول الشاعر أبو اسحاق الألبيري:
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً
فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا
وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ
فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا
إن حاجة المجتمع الآن إلى وعي وإدراك وصحوة من غفوة طالت كثرت فيها الكوابيس والأحلام، أكثر من حاجتها لاتفاقات دولية ترعاها جهات لا تعلم عن حالنا إذ نحن في حاجة لتربية وإعادة تأهيل وتعميق لعقيدة تسكن في القشور تذهب مع أولى رياح تدنو منها، ولا يتعلم الإنسان إلا من التجارب، وها نحن ننتظر ماذا يعلمنا الدرس… ويا ليته الدرس الأخير!

ليلى الضو أبو شمال