رأي ومقالات

المقاومة الفلسطينية.. الانحياز إلى عقيدة الوطن

لم تسلم تضحيات ودماء الشعب الفلسطينى من محاولة التدنى بالثوابت التاريخية التى رسّخت على مدى عقود عدالة القضية الفلسطينية فى الضمير العربى عبر تلخيصها داخل إطار دينى، وكأن العدل والحق الذى يحارب من أجله شعب أعزل وحشية ممارسات صهيونية قاصر على ديانة واحدة أو طائفة بعينها، رغم اتفاق وحث الأديان السماوية الثلاثة على إعلاء قيمة هذه الفضائل.

هذه النظرة القاصرة تحمل إشارات مصدر الترويج لها المثل الشهير «يكاد المريب يقول خذونى»، إذ لا تخلو من بصمات جماعة منحلة اعتنقت المتاجرة بكل شىء وأى شىء منذ تأسيسها.. الإسلام، السلطة، المرأة. بالتالى حين بدأت مأساة النكبة الفلسطينية، بادرت -كدأبها- إلى استغلال نبل وعدالة القضية الفلسطينية خدمة لأهدافها.

إذ لا يذكر التاريخ أن الجماعة أطلقت رصاصة واحدة أو قدمت أحد أفرادها شهيداً من أجل فلسطين. لكن سجلات التاريخ توثق سجلاً طويلاً للقاءات واتفاقات تمت بين مسئولين من أمريكا وبريطانيا مع قادة الجماعة -منهم على سبيل المثال لا الحصر زينب الغزالى- طبعاً بالإضافة إلى توثيق لقاءات حسن البنا بضباط الاستخبارات البريطانية والأمريكية بهدف جس نبض الطرف الأول لموقف الثانى من الكيان الصهيونى.

الرد عبر محطات التاريخ المختلفة لم يتغير، يحمل الرضوخ لكل الطلبات وشروط المسئول الأجنبى تجاه قبول المحتل الإسرائيلى طالما حصلت الجماعة على ضمان دعم وصولها إلى السلطة، حتى إن موقفهم الأخير لم يشكّل أى خروج عن حقيقة أدبياتهم حين هرعوا إلى تبنى المواقف الصهيونية وجميع ما تبثه آلة إعلامهم، لعل أبرزها حدث تجاه سلسلة الأكاذيب التى سردها محامى الدفاع الإسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية، فالحقيقة الوحيدة التى ظهرت فى جلسة مرافعة المحامى الإسرائيلى أن الكيان الصهيونى وجماعة الإرهاب المحظورة يجمعهما كل الأهداف مع ارتماء واقعهم الخبيث فى الحضن الصهيونى عند أول تلميح كاذب من الأخير ضد مصر، ولتذهب كل الهتافات التى صدّعونا بها عن الذهاب إلى القدس إلى الجحيم طالما صدرت الأكاذيب الإسرائيلية ضد وطن هم لا يعترفون بمكانته وقداسته أصلاً.. فمن لا يعترفون بالأوطان كيف يصدق منهم الدفاع عن حق استرداد الأوطان؟!

وضوح الحدود الفاصلة بالتأكيد كشف نهم وعبث مناورات جماعة يائسة لاستغلال قضية قومية عربية. المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها نجحت فى جمع دعم الموقف العربى حين تجاوزت كل الأطر الضيقة التى كانت تتحرك ضمن دوائرها إلى هدف وطنى عربى لا يعرف التفرقة بين مسلم ومسيحى أو سنى وشيعى.. حين حددت انحيازها إلى القضية، لا إلى مذهب أو ديانة، أعادت الحياة إلى القضية الفلسطينية لتصبح على أجندة الاهتمام الدولى حتى شهد العالم لحظة فارقة مع وقوف إسرائيل داخل قفص اتهام محكمة العدل الدولية التى أنشئت عام 1945 لتحاكم بنفس قانون الهولوكوست النازى ضد اليهود -القضية التى ما زال يتاجر بها كيان الاحتلال- هذا التحرر من القوالب المحددة فتح الآفاق أمام الفصائل الفلسطينية للانتقال من النمط التقليدى وفق منهج وآليات بدائية إلى آفاق تخطيط عمل تكتيكى مدروس. نقل عقيدة المقاومة من الدفاع إلى الهجوم.

المقاومة فى إعادة بلورة توجهاتها إلى صورة حركة تحرر وطنى، قومى، عربى، فلسطينية الهوى والعقيدة أكثر من كونها حركة إسلامية سياسية بل حتى ابتعاد الخطاب الإعلامى عن تحديد صيغة تعكس ديانة محددة بعينها بعدما كشفت الأحداث فى مصر والمنطقة العربية أن مسميات مثل «الإسلام السياسى» هى مجرد شعار يُخفى النهم إلى السلطة وإثارة الفتن والحروب الأهلية، كما ثبت فشل جماعات الإسلام السياسى فى امتلاك أى مشروع لإدارة الدول، فما بالنا والحديث عن قضية فرض حق شعب فى إقامة دولته.

أخيراً «طوفان الأقصى» أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك التفاف الموقف العربى حول المقاومة الفلسطينية حين تحررت من أى شبهة تحالفات، سواء مع أطراف إقليمية أو جماعات إرهابية، لترفع بوضوح شعار الدفاع عن حق كل فلسطينى مسلماً كان أو مسيحياً.

لينا مظلوم – الوطن نيوز
1583693834