رأي ومقالات

مجرد تحليل حول تسريبات مزمل أبوالقاسم

ذكر د. مزمل، أنه قد عُقدت جولة مفاوضات سرية في المنامة، بين وفد الجيش ويقوده كباشي ووفد الدعم السريع ويقوده عبدالرحيم بحضور مخابرات خمس دول هي مصر و السعودية والامارات والبحرين وأمريكا، مع استبعاد وفد المخابرات السودانية برئاسة اللواء كامل.
ذكر مزمل ان *مطالب الجيش* تمثلت في:
٣٠ مليار دولار لتعويض المتضررين.
رد المسروقات.
محاسبة مرتكبي الجرائم.
خروج الدعم السريع من الاعيان المدنية.
بينما تمثلت *مطالب الدعم السريع* في :
عودة كل نفوذ الدعم السريع لما كان عليه قبل الحرب (أي إلغاء كل قرارات البرهان بشأنه).
معاقبة الاسلاميبن.
*ثم ذكر أن البرهان قلب الطاولة على الجميع ورفض نتائج جولة المنامة.*
واضح أن د. مزمل أبوالقاسم كان واثقا من صحة معلوماته، بل ذكر أنه عكف عليها اسبوعا حتى يستوثق من صحتها 100%.
وبالتأكيد فان المعلومات التي أدلى بها السيد مزمل،كثيرة ومتنوعة وتفصيلية.
نوعية المعلومات التي أدلى بها وتنوعها، تجعلنا نستنتج، أنها تدل على أن مصدره إليها لابد وأن يكون من طرف الجيش، خاصة وأنه بصورة أو أخرى، روج إلى قوة شخصية البرهان ومدى تمسكه وقدرته على اتخاذ القرارات وإن كانت في وجه الوسيط بثقل هذه الدول الخمس، للدرجة التي يرفض فيها الوثيقة النهائية التي تمخضت عن جولة المفغوضات. اذٍ البرهان هو العامل واللاعب الرئيسي الذي يملك القرار وخيوط اللعبة.
بالتأكيد، مصدر د. مزمل لن يكون من طرف الدعم السريع ولا من طرف مخابرات الدول الخمس التي كانت طرفا في اللقاء.
*نبني على هذا الاستنتاج فنتساءل:*
لماذا أراد الجيش نشر هذه التسريبات؟
قبل الاجابة لابد أن نشير الى ان نشر هذا التسريب سيعيق أو يجمد أو يلغي أي جولة أخرى، (بسبب ما ذكره مزمل نفسه، وهو رفض البرهان للمخرجات اولا، ثم بسبب المزاج السوداني العام، الذي يقف ضد المليشيا ومازال ينزف من جرائمها).
واذا وافقنا على هذا الطرح وإذا كان الهدف المقصود من التسريبات هو ايقاف جولة التفاوض وعرقلة استمرارها :
اذاً لماذا شارك الوفد الحكومي في الجولة، مسبقا؟
الإجابة: قد لا يستطيع البرهان، رفض الدعوة إلى الحوار، أو المشاركة فيه، وقد لا يريد الانسحاب من المفاوضات مباشرة (خاصة وأنه جرب الانسحاب من جدة ومن الايقاد)، وقد لا يستطيع الإدلاء بتصريحات مباشرة حول تفاصيل الحوار. من هذه الناحية فإن د. مزمل أبوالقاسم قام بالواجب، بقصد او بدون قصد بتخطيط او بايعاز او بغيره، (واضعين فى الاعتبار موقف د.مزمل الداعم للجيش بصورة واضحة).
نأتي لنقطة أخيرة ذكرها د. مزمل في التسريبات:
هنالك اتفاق (قبل عقد المفاوضات نفسها) على استبعاد الإسلاميين من العمل في كل أجهزة الدولة، (كلمة اتفاق تعني موافقة كل الحاضرين). والدليل على ذلك، هو استبعاد البرهان لموفد جهاز الأمن السوداني (كما ذكر د. مزمل)، مما يؤكد مشاركة البرهان، للدعم ولهذه الدول الخمس، في الاتفاق حول هذه النقطة – استبعاد الاسلاميين.
ثم أن شرط الدعم السريع ، بشن الحرب على الإسلاميين بالاستبعاد وبالاعتقال وبالفصل والمصادرة والمطاردة… الخ. هو ذات البند ضد الاسلاميين، المنصوص عليه في الاتفاق الموقع بين حميدتي وجماعة تقدم وقحت. هذا البند الان يتصدر أجندة هذه الجهات، بأكثر من ما تتصدره جرائم الدعم السريع نفسها. هذا مؤشر أولي لطريقة تفكيرهم وأهدافهم وبرنامجهم في الحكم.
*أما المؤشر الآخر، وهو التفاصيل على أرض الواقع* بين عامة الناس وفي الأحياء والمدن والولايات. فانها تختلف عن ذلك اختلاف النقيض كالآتي:
1/ يحقق الجيش تقدما حاسما، في ساحات المعركة.
2/ ادانة الدعم السريع على جرائمة الموثقة من جميع الدول والمنظمات الدولية، تتم بصورة يومية، مما يشكل عائقا قانونيا من أي تعامل سياسي معه، وقد تترتب عليه عواقب جنائية وخيمة، حين تصدر المحاكم القضائية قراراتها بشأن جرائمه.
*هذا أنتج فعليا رايا عاما ضاغطا ليس ضد الدعم السريع فقط، ولكن ضد كل من يدعمه من الدول والاحزاب والقبائل والافراد*.
3/ تتبنى قوى سياسية وعسكرية هدف الإنتصار على الدعم السريع عسكريا اولا، تصنيفه كمنظمة إرهابية، عدم السماح له بممارسة أي أدوار سياسية تتعلق بمستقبل السودان. ويتصدر هذه القوى الغالبية العظمى من الشعب السوداني، وكل حركات دارفور، وكثير من لجان المقاومة، وكثير من قادة الأحزاب السياسية والإدارات الأهلية وقادة المجتمع من اصحاب الوزن الثقيل من مختلف الأفكار والايدلوجيا، والنخب والصحفيين والغالبية الغالبة من الرأي العام المنشور في وسائل التواصل الاجتماعي. ومن ضمن هؤلاء يأتي الإسلاميون كفصيل واحد، ضمن رأي عام كاسح.
*أخيرا، حسم هذا الجدل، سينتج عنه واقع سياسي واجتماعي وامني، مختلف. سيتحكم في معادلة السودان الداخلية ويتعدى اثرها الى دول الجوار. لذا ستجد أن الجميع في عجلة من أمرهم في مقبل الايام، وستزيد حمى المعارك على جميع الأصعدة.*

بقلم د. محمد عثمان عوض الله

28/1/2024