تركوه يستجدي
زيلينسكي ضحية الثقة المفرطة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، صدق الوعود، وأغمض عينيه عن الحقيقة الماثلة أمامه، فالخصم هو روسيا، الدولة التي تستطيع أن تبتلع بلاده لو أرادت في يوم أو اثنين، لديها الإمكانات المادية والعسكرية والبشرية، ومع ذلك ركبه الغرور بعد أن فُرشت أمامه الورود وفوقها المليارات، ودخل في نفق مظلم جعله يتخبط ويستجدي طالباً النجدة.
لم يحسب الرجل حساب التوازنات السياسية، ولم يدرس مقدمات الحروب الكبرى، ولم يفكر أبداً في خطورة الاستفزاز وجلب المخاطر إلى حدود جاره الكبير، ولم تراوده الشكوك للحظة في أسباب الدفع به إلى المقدمة ليكون هو وبلاده وشعبه لقمة سائغة للآلة الروسية العملاقة، ولم يتوقف عن التحذيرات التي تصله كل يوم، ولعدة سنوات، بأن الطلقة الأولى إذا خرجت لن يتوقف سيل النيران الذي سينهمر بعدها، وها هي النتائج أمامه، وهي نتائج يدفع ثمنها وحيداً، بعد أن تُرك يقاتل في ساحة حرب تمتد إلى مئات الأميال، بسلاح قديم ومسيرات بدائية، وعمليات تفجير فردية، وقذائف على قرى حدودية، ونصف بلاده محتل أو محاصر، وملايين من أبناء شعبه مشردون في الغرب، ذلك الغرب الذي لا يتقبلهم لأنهم شرقيون!
أوكرانيا كانت طعماً لاستدراج روسيا، ومن ثم استهلاك مواردها، واستنزاف قدراتها، ولم يحدث ذلك، فقد سحب الصياد بطعمه وذخيرته، ومن خلفها خزائن الغرب كله، ابتداءً من الولايات المتحدة وحتى ألمانيا، وبدأ اللوم يقع على زيلينسكي لأنه لم يقدم مزيداً من الضحايا في هجمات ارتجالية، وبدأت المساعدات تقل شيئاً فشيئاً، وكونغرس بايدن يوقف منح الأموال، ومخازن المستشار الألماني لم تعد تحوي أسلحة أو ذخائر، وزيلينسكي يحذر من انهيار نظامه، ويهدد باتباع استراتيجية جديدة، قد تكون نتاج مراجعة شاملة لكل ما مر به، وقد تكون الخطوة التي انتظرناها منه بعد أشهر قليلة من الحرب، ويمد يده إلى روسيا، مباشرة أو عبر وسيط موثوق هو جربه، وستكون أوكرانيا هي الرابحة.
محمد يوسف – جريدة البيان