رأي ومقالات

العمر يخلص والإيميلات ما تخلص

الروتين اليومي في بيئة العمل مع التكنولوجيا الحديثة أصبح مرتبطا بثقافة التواصل عبر البريد الإلكتروني، حيث ننجز أغلب الأعمال عن طريق الاتصالات المكتوبة التي نسعى خلالها لبناء وازدهار العلاقات مع الموظفين والمديرين والمتخصصين في عدة مجالات بطريقة أنيقة ومنظمة لتحقيق الهدف المنشود دون ضجر وإزعاج، وكالعادة روتين الصباح هو قراءة البريد الإلكتروني ومحاولة الرد على البعض منها، لذلك ننزعج كثيراً عند تلقينا رسائل بريد إلكتروني بشكل يومي وبمواضيع ليست لها صلة بإدارة القسم مما يشتت الانتباه والتركيز والإنجاز، ويهدر الوقت في ظل المواعيد والاجتماعات وضغوطات المراجعين والمكالمات، فمثل هذه الإيميلات المتسرعة تشير إلى أن المرسل شخص غير محترف ويفتقد المهارة والثقة.

لذلك قبل الشروع في كتابة الإيميل، اسأل نفسك دائماً: لماذا أرسل؟ وهل سأحقق الغرض المقصود وأعزز العلاقات؟ يجب أن تكون على دراية ووعي عند اختيار لمن ستوجه الإيميل وطريقة الأسلوب السلس والموجز المختصر وتسلسل المعلومات بصلب الموضوع بطريقة مباشرة، فطريقة كتابة الإيميل تعطي انطباعا مباشرا للمستقبل عن طريقة تفكيرك وأسلوبك ورقيك في التعامل والتصرف وحكمتك، وتعطي انطباعا إيجابيا عن كيفية إدارتك بالعمل.

«تقول إحدى الموظفات: لديّ زميلة في العمل تبعث إيميلات بشكل يومي وبشكل متكرر، وكأنها تذكرني بمهامي الوظيفية وماذا عليّ أن أنجز وكيف أتصرف، وماذا يجب أن أقوم بإكماله بوقت زمني محدد، هذه التذكيرات أصبحت تؤرقني وتستفزني وتمنعني من القيام بعملي بشكل كامل لأنني أقضي معظم الوقت في قراءتها أو الرد عليها، وإن تغاضيت ولم أرد على الإيميل، تهاتفني لتتحدث بإسهاب عن الموضوع ودائماً تردد: هذا عملي يجب أن أقوم به».

هذه الحالة نموذج لإرباك العمل واستغلال الوقت الثمين للموظف وأحد أسباب محبطات العطاء والإنتاجية، لذلك يجب أن نتجنب إرسال إيميلات غير ضرورية كالتذكير اليومي وإعادة التوجيه المتكرر، ورسائل الشكر التي يكفي إرسالها لشخص واحد دون إضافة الآخرين، مع الأخذ في الاعتبار أن نوعية هذه الايميلات تزعج الكثير، وخاصة من الناحية الجغرافية لبعض العملاء، لذا يتوجب على الموظف التفكير بهدوء بعيداً عن الانفعال وأن يكون مستعداً لما سيكتبه قبل الإرسال وهذه إحدى إيجابيات البريد الإلكتروني أننا لا نحتاج إلى الرد الفوري.

دائماً، ابدأ الإيميل بتحية واختمه بأمنيات بيوم سعيد إذا كان بنهاية الأسبوع مما يبني علاقات جميلة مع الغير، ولا تستفتح الايميل بأخبار سيئة وبعبارات عاطفية بشكل عميق، كن حريصاً عند انتقائك للكلمات الافتتاحية بأي إيميل، بدلاً من السرد الطويل الممل، حاول تقسيمها إلى فقرات قصيرة واضحة تصب في صلب الموضوع دون ملل، حافظ على لغة محايدة بسيطة غير مبهمة مع تجنب الأخطاء الكتابية واللهجة المحلية غير الرسمية، واختيار المفردات الإيجابية اللطيفة البسيطة التي لها تأثير مباشر وكبير على المتلقي بالتفاعل والرد السريع، وتجنب كتابة بعض الكلمات بخط كبير وسميك فهذا يخلق انطباعا سيئا، والابتعاد عن استخدام اللون الأحمر لأنه يحمل دلالة على الغضب والإحباط، واحذر أن ترسل وانت غضبان أو متوتر، لأن المشاعر لها دور كبير في الحالة النفسية أثناء قرار إرسال الإيميل، لذا وجب المراجعة والتدقيق على الإيميل قبل إرساله للموظف الذي ترغب التواصل معه مباشرة والمعني بالموضوع ليصل مضمون الرسالة بوضوح، ويجب أن تكون موجهة لأشخاص معنيين بعيداً عن العشوائية، لذا لا تقم بإضافة المستلم إلا آخر لحظة حتى تتأكد من الإيميل ومراجعته وهذا لا يستغرق سوى بضع دقائق ولكن يساعد على اكتشاف الأخطاء اللغوية والإملائية وملاحظة علامات الترقيم والتأكد من المرفقات الصحيحة سواء ملف أو رابط، غالباً ممكن إصلاح الموقف وإرسال إيميل آخر ولكن، هذا يزيد من حجم الإيميلات التي يتلقاها المستقبل وتعتبر عملية غير مهنية، لذلك الأفضل إرفاق الملف قبل البدء في صياغة الايميل مع تسمية الملف المرفق.

أيقونة الرد على الكل مهمة ومفيدة لبعض الإيميلات أو القرارات التي تهم فريق العمل للاطلاع ولكن يجب أن نستخدمها بحذر وتفكير مسبق، فليس مهماً في بعض الحالات الرد على الجميع، أما النسخة الكربونية، فهي للموظف المعني بمعرفة مضمون البريد وليس مطلوباً منه رد أو اتخاذ أي إجراء للمضمون، وعند الرد أو إعادة التوجيه، فكر قليلاً، هل يجب الرد على الكل أم على المرسل فقط؟ ويا حبذا اختيار عدد محدد من مستقبلي الإيميل وتجنب إضافة الكثير لان هذا يولد انطباعا مزعجا لدى المستقبلين وهو الحاجة إلى الرد أو عمل إجراء معين، مع التأكد قبل الإرسال من مسح المعلومات والتعليقات والملاحظات الشخصية.

تذكر أن الايميل ليس للتنفيس عن مشاكلك وما تشعر به، فالتواصل الفعال والذكي من قبل الموظف لا يأتي عبثا بل من خلال التحكم في السيطرة ونبرة الصوت ولغة الجسد، ومهما كانت مشاعرك تجاه الشخص المستقبل لرسالتك يجب أن تراعي وتحترم المشاعر.

أما إذا تطرقنا لتوقيت إرسال البريد الإلكتروني، فيجب أن نحترم وندرك آلية اختياره، إذا لم يكن مستعجلاً فالأفضل اختيار وقت مناسب ويا حبذا احترام ساعات ما بعد الدوام وعدم إرسال إيميلات بنهاية الأسبوع أو العطل الرسمية وأوقات متأخرة من منتصف الليل، لان الموظفين مرهقون وبانتظار نهاية الأسبوع للراحة النفسية والصحية، فيجب الابتعاد عن تكدير النفوس وإرباك الراحة بعيداً عن احترام الخصوصية، إلا في الحالات الطارئة والضرورية لمواضيع لا يمكن تأجيلها، ويجب تقبّل الوضع إذا لم نستلم الرد، لأن المستلم في عطلته المعتادة ولم يتمكن من فتح وقراءة الإيميل.

من جانب آخر، هناك إيميلات يتوجب الرد عليها لكن تتطلب تواجد الموظف بمكتبه أو للمناقشة المبدئية مع فريق العمل أو المدير المباشر قبل قرار الرد، لذلك إرسال الإيميلات بعد ساعات العمل يعتبر خطوة مرهقة ومزعجة لحد ما وبعيدة عن التوازن، لكن من الممكن إرسال المقالات والأبحاث والنشرات الإخبارية والمواضيع الملهمة التي تحتاج للقراءة دون الرد ولا تسبب أي إرباك، وإذا أردت الاستفادة من وقتك بالمنزل خاصة أثناء الليل أو نهاية الأسبوع لمتابعة بريدك الإلكتروني، فيحبذ ألا تزعجهم بالرد وإذا كان من الضروري الرد، انتظر للصباح.

التعامل مع الايميلات ثقافة يجب أن نتقنها بشكل حضاري جيد لبناء العلاقات ولتحقيق أهداف العمل دون ضجيج واستياء، ومنعاً لإهدار الوقت وتعبئة البريد بإيميلات كثيرة، نستطيع طرح تلك المواضيع في الاجتماعات الدورية للقسم ليتم النقاش فيها دون اللجوء للإيميلات المرهقة الطويلة، ولا تجعله عائقا يمنعك من الاستمتاع بالحياة والعطلة الأسبوعية والزيارات والرحلات، فجميعنا بحاجة إلى شحن طاقتنا بالسعادة والإيجابية، وتذكر أن العمر يخلص والإيميلات ما تخلص.

 

فوزية أحمد – الشرق القطرية
20230308 1678297141 413