لا أسباب للصوم إلا واحد!
اجتهادات كثيرة عن سبب فرض الصيام، منها أسباب سامية وراقية، مثل إحساس الأغنياء بالفقراء، أو لأسباب أخرى صحية مثلاً ترتبط برحمة الله سبحانه وتعالى من فوائد تنعكس على صحة الإنسان.. ومنها جوانب إنسانية سلوكية، مثل تعليم الصبر والسيطرة على النفس فى شهواتها ونزعاتها، وعند الغضب، والامتناع عن ظلم الآخرين بالفعل أو القول، والرّقى فى التعامل مع الجميع، الأسرة والأقارب والجيران والزملاء إلخ إلخ..
أغلب ما سبق، خاصة الجانب السلوكى هى تعاليم الإسلام أصلاً.. الداعى لكل صور الفضيلة والخير والسلام والمحبة حتى قبل فرض الصوم.. وهى تعاليم أساسية لازمة وملازمة لشخصية المسلم.. بل هى أيضاً من تعاليم كل الأديان السماوية، لكن تُضاف عليها فى الإسلام الأوامر والإرشادات النبوية الشريفة للرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، بالنظافة وتنظيم تناول الطعام (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) وتنظيم حتى مقادير الطعام (ثُلث لطعامه وثُلث لشرابه وثُلث لنفسه) وهى تفاصيل اهتم بها الإسلام ضمن سلوكيات كثيرة شديدة الخصوصية، مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ)، ولذلك فلابد من شىء آخر وراء فريضة الصيام.. نحسب أنها فرز الطائعين عن غيرهم وتمييز المؤمنين المسلمين بأوامر الله سبحانه ونواهيه.. إنها نسخة أرضية جديدة لتعليمات الله لآدم وزوجه (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) لماذا هذه الشجرة؟ ولماذا سيكونان من الظالمين؟ لم نعرف ولا نعرف ولا يحق لنا أن نسأل وليس علينا إلا الطاعة لرب العزة وتعاليمه.. علينا أن نقتدى بالملائكة، ولدينا مثال مهم لم يُذكر فى اعتقادنا إلا لنتعلم منه.. (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) لا تفكير ولا تردّد ولا سؤال ولا جدال.. هكذا فعلت الملائكة وعلى عكسهم وخلافهم فعل إبليس وهنا الفرز بين خلق الله والفرق بينهم فى الطاعة!
ولذلك (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) ولا يصح إلا القول سمعاً وطاعة.. ولذلك يقول (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ولا يصح ولا ينبغى إلا القول «سمعاً وطاعة»، ولا سوى ذلك..
أمرنا ربنا ونحن نستجيب على الفور.. الاستثناءات والإعفاء من الصوم لها أصل ومستمدة بالاستنتاج والاجتهاد من (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) و(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ووفقاً لتفسير المنار للإمام محمد عبده تعنى أن من يتحمل الصيام بالكاد ولديه قدرة استطاقة بصعوبة، فقد أعطاه الله البديل.. لييسر على عباده، ولذلك جاء بعدها (فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ).
وهكذا.. نصوم وسنصوم رمضان، سواء كان مفيداً للصحة أو مهذّباً للسلوك أو يذكّرنا أو لا يذكّرنا بالفقراء.. إنه أمر إلهى لا علينا إلا طاعته والاستجابة له.. وكل عام وأنتم بخير.
أحمد رفعت – الوطن نيوز