هل تعود “الأموال الساخنة” إلى مصر؟
بعد عامين تقريبا منذ خسارة مصر أكثر من 20 مليار بسبب خروج “الأموال الساخنة” من سوق الأوراق المالية وبداية انخفاض قيمة الجنيه مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أن مصر مهيأة لعودة هذا النوع من الأموال وبطريقة مشروعة.
ما هي “الأموال الساخنة”؟
يعرف الخبير الاقتصادي المصري وائل النحاس الأموال الساخنة بأنها هي الاستثمارات غير المباشرة التي تستثمر في أدوات الدين الحكومية بالجنيه المصري، “أي أنني كأجنبي أتنازل عن الدولار وأحصل على مقابله بالجنيه لأنك تغريني بالعائد على الجنيه وليس الدولار”.
ويوضح أن ” أدوات الدين الحكومية تشمل السندات أو الأذونات أو أي شكل من أشكال الدين، وهي لا تدخل في استثمارات حقيقية، لأنها لا تلتزم بشراء أصول أو الدخول في استثمارات مباشرة، بعض هذه الأموال يدخل في سوق الأوراق المالية”.
ويرى النحاس أن الحكومة المصرية تغري المستثمرين غير المباشرين بأدوات الدين الحكومية بفائدة 32.3 في المئة وهي كبيرة جدا.
وباع البنك المركزي المصري نيابة عن وزارة المالية، الخميس، أذون خزانة لأجل سنة بقيمة 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار).
يأتي هذا التغير بعد سنوات أحجم فيها معظم المستثمرين الدوليين عن شراء الديون المصرية وسط مخاوف من انخفاض قيمة العملة المحلية وأسعار فائدة متدنية والقلق إزاء تحويل الأموال من بلد يعاني من نقص حاد في الدولار.
وتشير وكالة بلومبيرغ إلى أن مصر تقدم الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية من بين 23 اقتصادا ناميا، مما قد يجعلها قبلة جذابة للمستثمرين الذين تجنبوا الدين المحلي المصري في السابق.
ففي غضون أسبوعين فقط، أدت صفقة استثمارية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار وقرض موسع بثمانية مليارات دولار من صندوق النقد وحديث وزير المالية المصري عن تمويلين من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس وتحرير سعر الصرف، إلى إعادة سوق الدخل الثابت المحلية إلى دائرة الاهتمام.
كيف تدخل “الأموال الساخنة”؟
ويشرح النحاس إلى أن مؤسسات مالية كبرى مثل “غولدمان ساكس”، و”سيتي بنك”، و”مورغان ستانلي” تطرح على عملائها الاستثمار غير المباشر سواء في سندات أو أدوات دين حكومية أو البورصة في دول مثل مصر وتركيا والأرجنتين مقابل التنازل عن العملة الأجنبية مع وجود مخاطرة عالية جدا فيها لكن قد تكون المكاسب كبيرة جدا في المقابل”.
والخميس، عدلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر من سلبية إلى إيجابية، وأرجعت هذا إلى “الدعم الرسمي والثنائي الكبير” و”ما اتخذ من خطوات في السياسات الأسبوع الماضي”، لكنها أبقت التصنيف الائتماني للبلاد عند Caa1 الذي لا يزال يعني أن الديون السيادية تنطوي على مخاطر مرتفعة جدا.
ويقول النحاس إن “هذا التنازل يكون لفترة محددة قد تكون سنة أو سنتين أو ثلاثة لكنها لا تكون دائمة، بحسب المستثمر الذي هو عبارة عن مؤسسات مالية كبرى تخطط لتدوير هذا المال لفترة في مصر على سبيل المثال ثم الأردن ثم تركيا وهكذا”.
ويوضح أنها “تسمى ساخنة لأنها تبحث عن المغريات والحوافز التي تقدمها بعض الدول لتدخل وتخرج بسرعة بعد جني الأرباح”.
وفي حين باعت مصر أدوات دين حكومية لأجل سنة وسنتين، رفضت قبول أي عروض في طرح لسندات خزانة بالعملة المحلية لأجلي ثلاث وخمس سنوات، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مصرفيين الثلاثاء.
وقد تمثل أذون الخزانة، وهي ديون حكومية فترة استحقاقها أقصر من السندات، أول اختبار للمستثمرين الراغبين في المشاركة، لكنهم يريدون التأكد من استمرار الإصلاحات.
ويقول النحاس: إن “الحكومة المصرية لديها أمل في أن ينخفض سعر الفائدة لأنها ترى أن الفائدة البالغة 32.3 في المئة مرتفعة جدا”.
وتمر مصر بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها بعدما سجّل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.
كذلك، زادت ديون مصر الخارجية أكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى 164,7 مليار دولار.
ولكن في أواخر الشهر الماضي، أعلن مدبولي أن الإمارات العربية المتحدة ستضخ “35 مليار دولار استثمارات مباشرة” في غضون شهرين في مصر، بموجب اتفاق وقع بين الحكومتين المصرية والاماراتية لـ”تنمية 170,8 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة” على البحر المتوسط بشمال غرب مصر.
وأشار إلى أن هذه الأموال “ستستخدم في حل الأزمة الاقتصادية” و”ستساهم في حل” مشكلة النقد الأجنبي في البلاد.
ومطلع الشهر الحالي، تسلمت مصر الدفعة الأولى المتفق عليها من قبل البلدين والمقدرة قيمتها بـ15 مليار دولار، هي 10 مليارات سيتم تحويلها مباشرة إضافة الى 5 مليارات تشكل جزءا من وديعة إماراتية لدى البنك المركزي.
ماذا حدث في 2022؟
أما عن خروج الأموال الساخنة عام 2022 فيقول: “خرجت حينها حوالي 22 مليار دولار بعد حرب أوكرانيا بعد أن كانت قد دخلت بحوالي 15 مليار دولار في عام 2016”.
ويضيف: “دخلوا في 2016 وباعوا لنا الدولار بسعر 22 جنيها، وعندما خرجوا اشتروه على 15 مع حصولهم على فوائد سنوية تصل إلى 20 في المئة تقريبا وبالتالي هم ربحوا حوالي 85 في المئة، أي أن المؤسسة المالية التي دخلت بمليار دولار خرجت بمليار و850 مليون دولار، والآن تعود لنفس ما فعلته سابقا، وهي أنشطة مشروعة”.
وبالنسبة لما يحدث حاليا قال النحاس “إنه عندما حدث تحرير سعر الصرف وصل سعر الدولار إلى 50 جنيها والآن بعد أسبوع وصل إلى 48.5 جنيها”.
ويوضح أنهم “يشترون الدولار بخمسين جنيها، والجنيه يبدو أنه يتحسن، وقد يصل سعره إلى منطقة الأربعين، وعندها سيبيعون أدوات الدين الحكومية ويحصلون على الدولار بمكسب 25 في المئة فضلا عن عائد سنوي 32.5 في المئة لمدة عامين يعني هذا أن من وضع مليار دولار قد يخرج ومعه مليار و900 مليون دولار”.
ويرى أن “هذه الأموال توفر وفرة فعلا في الدولار وتتسبب في مكاسب في البورصة لكنها تتسبب في أزمة عندما تخرج مرة واحدة كما حدث في 2022”.
وفي أعقاب خروج الموال الساخنة من مصر في 2022، قال وزير المالية، محمد معيط، في يوليو ذلك العام “إن الدولة المصرية تعلمت الدرس في ما يخص الأموال الساخنة من ثلاث مرات متتالية في 2018 و2020 و2022″، مشيرا إلى أن الدولة وضعت استراتيجية تنص على عدم الاعتماد على هذا النوع من الأموال مرة أخرى.
لكن النحاس يرى أن “القصة كلها تتكرر مرة أخرى، لأن مصر تمر بفترة اقتصادية عصيبة والحكومة تنتهز فرصة فتح الأسواق أمامها مرة أخرى بعد أن كان سوق أدوات الدين مغلق أمامنا”.
مصطفى هاشم – الحرة