يونس ود دكيم في سنواته الأخيرة
يونس ود دكيم في سنواته الأخيرة ..
بالأمس كتبنا تعليقا على أحدهم وقد كتب يستدعي رموز التاريخ ليناصر ويروج لمشروعه الأجير وها نحن نضيف هذه الإضافة عن الأيام الأخيرة للقائد المهدوي يونس ود الدكيم ، وهي نص مقتبس من رسالة دكتوراة.
إقتباس :
( في نوفمبر 1899م انتهت معركة أم دبيكرات وكان من أبرز الأسرى : عثمان شيخ الدين بن الخليفة عبد الله ، يونس الدكيم ، الختيم موسى ، إسماعيل أحمد وعلي فرفار بينما انسحب عثمان دقنة إلى الشرق.
وبأسر الأمير يونس الدكيم وترحيله إلى مصر ليقضي سنوات أسره في سجن دمياط انتهى دوره السياسي بنهاية دولة المهدية في السودان وكان من ضمن الأسرى قريبه إبراهيم حبيب الله بشارة التعايشي ، وتم ترحيله عبر الوابورات من النيل الأبيض بالقرب من مدينة كوستي وعندما وصلت تلك الوابورات بالقرب من الخرطوم تعطلت الباخرة التي كانت تحمله ، فأشار الأمير الدكيم وأصر على إبراهيم قريبه بالهروب من الباخرة مؤكداً له تهيئة الظروف التي تمكنه من الفرار دون أن يلاحظه أحد ليتولى رعاية أسرته وأسرة الأمير يونس ابان غيابه وبالفعل تمكن ابراهيم من الهرب باشارة الامير الدكيم ، وهذا إن دل إنما يدل على نبل وأصالة وشجاعة الدكيم وحسن تدبيره في أحلك المواقف.
وهكذا تم أسر الأمير يونس الدكيم مع غيره من الأمراء والأنصار وسجنوا في سجن دمياط بمصر حيث قضى في ذل السجن أربعة عشر عاماً من 1899م إلى 1913م ثم أطلق سراحه بعد ذلك وعاد إلى أم درمان.
و منحته الحكومة الإنجليزية المصرية بعد عودته الى ام درمان مع غيره من أمراء المهدية العائدين مكاناً لسكنه وأسرته الآن والمسمي بحي الأمراء الكائن بأم درمان (وهو جزء من حي العباسية شمال ساحة شباب الربيع) ولقد قامت الإدارة الإنجليزية المصرية بمنحهم هذه الأرض ليسكنوا ويستقروا بها حتى يكونوا تحت بصرها ومراقبتها اللصيقة لتخوفها من جانبهم بحكم قرب ذلك الموقع من مركز الإدارة في أم درمان ،ثم منحته معاشاً شهرياً وقدره مائة وعشرون قرشاً (120ق) كان يصرفه حتى مماته .(34 رواية سماعية من سميرة سليمان الخليفة عبد الله وهي بنت فاطمة بنت يونس الدكيم).
ولكن الحكم الإنجليزي المصري وضع كل أولئك الأمراء تحت الإقامة الجبرية بعد عودتهم في ذلك الحي ، وعملت على مراقبتهم مراقبة مستديمة ، وكانت لا تسمح لهم بمغادرة ذلك الحي إلا بإذن من المفتش الإنجليزي في أم درمان ولهذا فقد كانت حركتهم محدودة ومقيدة آنذاك ودليلاً على ذلك أن السلطات الاستعمارية حينها وعندما أراد أن يذهب لزيارة ديار الجمع بكردفان للالتقاء ببناته اللائي تركهن مقيمات بتلك المنطقة سمحت له ولكن بعد أن أقلته بإحد سياراتها حتى محطة السكة حديد والتي سافر عبرها إلى كردفان ثم رجع مرة أخر لأم درمان لمقر إقامته الجبرية.
وبعد استقرار الأمير يونس الدكيم بأم درمان كان يصلي بالناس صلاة عيدي الفطر والأضحية لمكانته السامية وتقدير الناس له ، وطيلة سنواته بعد عودته من الأسر لم يذهب للصلاة في مسجد الخليفة الذي كان بالقرب من منزله حسرة على دولة المهدية التي سقطت ،وأسفاً على ما آل إليه حالها وحال قادتها ، وفي منزل أسرته الحالي كانت له غرفة منفصلة بها سرير يجلس عليه ، وله كرسي يضع عليه ملابسه ، وحصيرة عليها فروة من جلد ثور يصلي عليها مع إبريق من نحاس كان يستخدمه في الوضوء وطيلة السنوات التي قضاها بعد الأسر كان الأمير يونس الدكيم محط اهتمام الناس خاصة من أبناء وأحفاد أمراء الأنصار لمكانته ، فكان من أشهر زواره السيد عبد الرحمن المهدي و غيره ممن تبقى من أبناء الخليفة عبد الله تقديرا لدوره في الثورة المهدية.
هذا وقد تمتع الأمير يونس الدكيم بصحة جيدة حتى وفاته على الرغم من أنه بلغ من الكبر عتياً ، ولقد توفي الأمير يونس الدكيم لرحمة مولاه في عام 1355هج / 1936م وحضر تشييع جنازته لمثواها الأخير عدد كبير من الناس كان على رأسهم السيد عبد الرحمن المهدي ، والسيد علي الميرغني (زعيم طائفة الختمية) حيث تمت موارة جسده بمقابر أحمد شرفي بأم درمان.((الأمير يونس ود دكيم حياته ودوره في المهدية -أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتوارة في التاريخ – تخصص تاريخ حديث – أحمد عبد الله محمد آدم – 2008م )إنتهى الإقتباس.
وأرجو أن لا يغيب عن انتباه القارئ الفطن أن طائفة الختمية بقيادة السيد علي الميرغني ومن سبقه في قيادة الطائفة كانت معارضة للثورة المهدية ودخلت ضدها في معارك في كسلا ، ولكن هاهي الأيام تمر والمياه تجري تحت الجسر فتأتي الطائفة الختمية لتحضر بزعيمها في تشييع أحد قيادات المهدية ، ولعلنا إذا كتبنا لاحقا عن إعادة تشييع ونقل رفاة عثمان دقنة من حلفا القديمة عند غرقها ببحيرة السد العالي 1962م سنجد أن الطائفة الختمية كانت حاضرة في التشييع الثاني للقائد المهدوي الذي قاتلها وحاصرها في كسلا ذات عام من الأعوام ، تلك هي الأخلاقيات التي تأسست عليها دولة 56.
#كمال_حامد 👓
الصورة للأمير يونس الدكيم في شيخوخته.