الحضن البارد – المجتمع الدولي يدفع 6 في المئة فقط من الإحتياجات الإنسانية المطلوبة
الحضن البارد – المجتمع الدولي يدفع 6 في المئة فقط من الإحتياجات الإنسانية المطلوبة:
في عهد الحكومة الانتقالية ظلت هذه الصفحة تكرر أن اعتماد المجموعة الحاكمة على الأجانب لدعم وبناء السودان هو غباء مطلق.
ولم يكن هذا جزافا في ظل وجود أدلة متزايدة على أن فترة 2019 إلي أكتوبر 2021 شهدت أدني مستوي مساعدات خارجية تلقاها السودان في تاريخه الحديث وربما كانت تلك هي الفترة الوحيدة في ذلك التاريخ التي توقف فيها الدعم العربي تقريبا تماما.
حدث هذا البخل ممن سمتهم الصفوة التي ورثت البشير ب”أصدقاء السودان” و”شركاء التنمية”. وحدث هذا البخل الاحتقاري رغم أن الحكومة الانتقالية طبقت جميع مطالب القوى الأجنبية المهيمنة، بما في ذلك سياسة اقتصادية قاسية شملت إلغاء الدعم، والزيادات الشديدة في الأسعار، والتعويم المبكر للجنيه السوداني، وبالطبع تطبيع العلاقات مع تلك الدولة.
وحدثت كل تلك التنازلات المجانية بلا مقابل تحت شعار “العودة لحضن المجتمع الدولي” الذي إتضح إنه حضن بارد، لئيم .
باختصار، ما يسمى “المجتمع الدولي” أخذ من الحكومة أعز ما تملك وكل ما تمناه ولم يعطها شيئاً سوي إحتقار وتعالي.
ويمكننا أن نضيف أن ما يسمى بـ”المجتمع الدولي” وقف متفرجاً والبلد تتجه نحو الهاوية وفشل في التنبؤ باندلاع الحرب الشرسة وفشل في منعها وفشل في إيقافها مع أنه يملك أكثرمما يكفي من القوة والنفوذ لوقفها بين ليلة وضحاها.
وإزداد السجل سوءا منذ ذلك الحين. وصارت الحرب السودانية حرباً منسية من قبل ما يسمى ب“المجتمع الدولي” إذ تدور رحاها في بلد منسي. وقوبلت المعاناة الواسعة النطاق لملايين السودانيين بلامبالاة تجاه احتياجاتهم الإنسانية لا يمكن وصفها إلا بكونها عنصرية بغيضة، قاسية بلا قلب لها إذا ما قارناها بإستجابة المجتمع الدولي لكوارث شبيهة حدثت وتحدث في أماكن أخري حول العالم.
و”المجتمع الدولي” نفسه مشهور باستعداده لإرسال مساعدات إنسانية ضخمة إلى مناطق الكوارث حتى، أو بشكل خاص، عندما تكون استجابته السياسية ضعيفة.
لكن هذا لم يحدث في السودان. فقد نسوا و إحتقروا إحتياجات الشعب السوداني في محنته رغم أنهم أعطوا أنفسهم حق التدخل في تشكيل كل سياسات الفترة الإنتقالية التي إنتهت بكارثة ولدت علي أيديهم وايادي جماعاتهم المحلية المفضلة وبذا فإن المجتمع الدولي يتحمل جزءا من وزر ما حدث للشعب السوداني في الخمسة أعوام السابقة.
ومن المثير للصدمة معرفة ما أشار إليه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية علناً من أن السودان بحاجة إلى 2.7 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، لكن الجهات المانحة لم تدفع سوى 6 في المائة من هذا المبلغ المطلوب. تخيل.
وتذكر ذلك الوزير الانتقالي الذي كان يتفاخر بأن حكومته ستعقد مؤتمرات للمانحين بعد باريس في طوكيو وبالرياض، واستمر في ذكر عدة عواصم عالمية أخرى بكامل الفخر والانتفاخ كديك وسيم حتي ظننت أنه أطلق العنان لفانتازيته السياحية في شهر عسل قادم.
لذا فإن الدعوة إلى الاعتماد على الذات وعدم اوعدم وضع كامل البيض الوطني في سلة الخارج لم تكن موقفاً أيديولوجياً كما إدعي البعض. فقد كانت دعوة لاختيار طريق حتى لو كان صعبا فانه يظل الأفضل لأن البدائل يمكن أن تكون أوهام تؤدي إلى الكوارث.
معتصم اقرع