رأي ومقالات

🔴 حكاوي عن الدعامة في السودان .. قصص أغرب من الخيال

□ وضع المواطنين إزداد سوءاً وظلاما، وكل يوم يصبح أكثر بؤساً فى مدينة صالحة بأمدرمان.
□ المواطنون الذين يتمسكون بالبقاء فيها لسببين؛ أولاً لشد أزر بعضهم البعض كأخوة وثقت الأحزان والمآسى عرى الترابط بينهم، وثانياً لحفظ ما تبقى فى بيوتهم من متاع.
□ تنشط الحياة فى هذه المدينة لساعات محدودة، وفى الثلث الأول من النهار ثم تتحول إلى مدينة أشباح باقى النهار وكل الليل حتى آذان الفجر.

□ ليلها يضج بأصوات الرصاص وتسمع أصوات صرخات قادمة من بعيد وركض أقدام، بعضهم يهب للنجدة معرضاً نفسه للمخاطر، وبعضهم يكتفى بالتلصص من ثقوب الباب أو من فوق الجدران، ولا يهب دعامى لنجدة مواطن من دعامى آخر معتدى، المواطن العادى ليس له غير الدعاء أن يمن الله عليه بلطفه وان عبداً من عباده قد ظلم وأن ينجو بروحه وأرواح أهله وأطفاله.
□ الدعامة يعملون كجزر معزولة، كأرخبيل ملعون فى بحر شيطان يسمى الدعم السريع، كل جزيرة ملعونة لها قائد تزيده القسوة قبحاً على قبحه، وقد يتجمل ببضعة كلمات على شاكلة ( فى سبيل المدنية والديمقراطية )، لتسكن روع المواطن الذى لجأ إليه إلى حين الإنقضاض عليه مرة أخرى، في تلك الأثناء تحمل راحلة المواطن العادى أن بعض الدعامة طيبون، وهذا الظن الخايب والذى لا يتجملون به فى نفس المواطن الا يوماً او بعض يوم ثم يردهم المواطن الى مكب قبحهم الشيطانى.

□ ليلاً البعض يقتل البعض الآخر للحصول على السلاح، كل يوم تسمع بحادثة قتل.
□ واليوم اصحبوا يتقاتلون فيما بينهم للحصول على جهاز ستارلنك، المجموعة القوية تهزم المجموعة الضعيفة، كنت اسمع بها واليوم عشت رعبها حقيقةً، كان الناس مجتمعون حول الشبكة ( استارلنك)، إذا بنا نتفاجأ بسيارتين تهجمان على المكان، أطلقوا الرصاص.
□ هرب الناس وركضوا كل في إتجاه حتى كاد ان يدوس بعضهم
بعضا، أخذوا الشبكة وذهبوا لان أصحاب الشبكة عددهم اقل، والذين هجموا كانوا أكثر عددا وتسليحا.

□ بعض الدعامة المهاجمون أطفال، فوهة مأسورة سلاح أحدهم تلامس الأرض احياناً، يكاد لا يقوي على حملها، عمره حوالى 12 عاماَ.

□ كانت هنالك متاجر لبيع الجملة أما الآن لا يوجد متجر إجمالي البتة ، كلها قد أغلقت أبوابها، اما متاجر التجزئة فإنها خالية الأرفف تماما ًمن أي صنف حتى ولو كانت علبة كبريت لا توضع على رف، وقد إكتفى كل تاجر تجزئة بعرض جزء من بضاعته على منضدة دكانه فى كراتين او أوعية بلاستيكية واغلب بضاعته تكون فى منزله، كل المتاجر تلف فرشاها وبسطها ( تغلق ) عند منتصف النهار ، يحمل كل تاجر بضاعته معه إلى بيته على عربة كارو أو درداقة، اغلب التجار يعملون كفريشة رغم انهم يملكون متاجر جيدة التأسيس، يدرأون عن أنفسهم طمع الدعامة اللصوص، أما الطبليات والتى تبيع الخردوات والكريمات والاكسسورات قد أغلقت كلها، ومازال اللصوص يكسرونها رغم أنها خالية الارفف تماماً، أصبح أصحابها يحملون بضاعتهم فى أكياس ويجلسون أمام طلبلياتهم يبيعون ويسجلون طلبات النسوة من كريمات وخلطات على كراسة بنية جلبها لهم من بيوتهم فى اليوم التالى.

لا توجد مراكز خدمات الا قلة من بناشر وقلة من صيدليات، أغلب الصيدليات تعرضت للنهب والسلب وأغلقت أبوابها وكذلك العيادات الطبية الخاصة، الآن لا توجد سوى عيادة واحدة فقط، عيادة دكتور رفض المغادرة والنزوح لانه يظن أن المواطنون يحتاجون اليه، وهو قد يستطيع مساعدتهم وظل متمسكاً بموقفه هذا منذ بداية الحرب رغم ان صيدليته قد نهبت ثلاثة مرات، ونهبت العيادة مرتين .. مرة نهب معمل العيادة بكامل أدواته ومرة نهبت أسرة ومراتب المرضى .. وكل مرة يعيد تأسيس العيادة بما يوفقه الله إليه ويحمل معمله الجديد معه إلى بيته كل يوم.

□ السوق عندنا فى صالحة يبدأ عند صلاة الفجر وينتهى عند الساعة عند صلاة الظهر، بعدها تبدأ نذر المخاطر بالظهور، حيث تقل الحركة فيه ويغادره التجار كأسواق القرى ( أم دور ور) ويبدأ إنتشار الدعامة.

□ ينتشرون كما الجراد فى الطرقات والجنمبات من بعد منتصف النهار إلى منتصف الليل ثم يشفشفون من بعد ذلك حتى آذان الفجر.

□ يبدأ السوق عند صلاة الفجر حيث تأتى عربات الدعامة محملةً بالمسروقات الفاخرة من الأثاثات المنزلية والأجهزة الكهربائية، يزدحم حولها السماسرة وتجار المال الحرام.
□ وعند بزوغ الشمس يأتى صغار اللصوص وهم يحملون مسروقاتهم على عربات الكارو وهى أقل جودة من مسرقات الدعامة.

□ جميعهم يمرون بمكاتب إستخبارات الدعم السريع والتي تقع عند مدخل السوق ولا يعترض سبيلهم إلى السوق أحد الأ إذا أعجبتهم مسروقات لص عادى وليس دعامى فيتم تجنيبه فى مكتب الاستخبارات ومصادرة ما يحمله الكارو من مسروقات لصالح الفرد أو الأفراد الذين اتخذوا قرار المصادرة اما اذا لم تعجبهم مسروقاته فإن عربة الكارو تواصل سيرها إلى السوق.
□ بعدها تبدأ حركة دؤوبة فى السوق لرفع المسروقات على الحافلات والدفارات توطئةً لنقلها إلى سوق مثلث جبل أولياء حيث يجدون تجار الولايات هنالك فى إنتظارهم.

□ وعند السابعة صباحاً تبدأ حركة المواطنون نحو السوق، تجد المواطنون يتجهون الي السوق كالمرضى وقد أرهقهم طول السهر وبعضهم أرهقه الجوع او سوء التغذية قد أضناه.
□ لقد فقدنا نفر عزيز بسبب المرض وسوء التغذية والجوع، حتى أن بعض ظرفاء الحى راحوا يرتبون اسماء من يموتون، سيموت اولا فلان وسيلحقه فلان حسب درجة إنهاكه وهزاله، يتجادلون ويعيدون ترتيب أسماء الذين سينتقلون الي الدار الآخرة.

□ الدعم السريع منع دفن الموتى في مقابر الشيخ يوسف بحجة انها تقع مجاوره لمعسكرهم الرئيسى، وحركة الناس فيها قد تجذب عناصر إستخبارات الجيش، لذا توجه بعض الذين لديهم علاقات مع الدعامة لدفن موتاهم فى مقابر أم مريسة البعيدة والتى ولا يمكن الوصول إليها الا بالسيارات، والسيارات عند الدعامة فقط حيث لا يتأتى لمواطن عادى ان يمتلك سيارة خاصة وهى من المحرمات في مناطق سيطرة الدعم السريع.

لذا لجا المواطنون لإغلاق شارع يقع بين سور المدرسة والجامع وبعض بيوت الذين نزوحوا واتخذوه مقبرةَ لدفن موتاهم .. الشارع الآن يكاد ان يمتلئ.
□ وغداً او بعد غد سنغلق شارعاً آخر ونحوله الي مقبرة.

وسيلة المواطنون الي السوق إما كدارى ( مشياً على الأقدام مهما تباعدت مسافاتهم ) أو بعربات الكارو. العربات والمواتر والتكاتك هى للدعامة فقط، إنهم سادة زمان صالحة؛ ( ساداتها أصبحوا أذلة ).

□ الحافلات العامله في خط صالحة – مثلث جبل أولياء ، قديمة وهكرة جرادل حيث لا يمكن قيادة حافلة بحالة ممتازة أو شريحة في مناطق سيطرة الدعم السريع لأنها ستشفشف لصالح الدولة المدنية.

□ أما الشوايات والمشاوى والشواشو فهى خاصة بالدعامة فقط، تجد حشودهم كما الجراد عند كل شواية، يلتهمون الشية بالبصل والشطة الخضراء ويتجرعون اكواب العصير المركز.
□ كذلك كل الجنمبات خالصةً لهم وحدهم لا يزاحمهم فيها أحد، حيث لا يسمحون لمواطن عادى ان يجلس بجوارهم، واذا تنازلوا وسمحوا له فإن زمن جلوسه لا يتعدى مقدار ما يشربه من كوب شاى او قهوة: (مش شربت قهوتك؛ يلا تانى عندك شنو؟! ).

□ أو قد تعرض نفسك للإعتقال بحجة إنك من استخبارات الجيش لذا تجنب المواطنون الجلوس عند ستات الشاى وتركوها لهم وحدهم.

□ أما جنمبات شارع الظلط الرئيسى أصبحت كالمواخير، الجنمبة تعمل بها ثلاثة او أربعة فتيات؛ تركب فتاة سيارة الدعامة وتنزل فتاة أخرى ما تلبث لحظات فى الجنمبة حتى تلتقطها سيارة أخرى.
□ فتيات جميلات بعضهن في ريعان الصبي وأُخر جرادل.
□ الدعامة يتناولون المخدرات علناً ويدخنون سجائر البنقو في وهم يتسوقون فى السوق دون خجل وعلى مرأى من الناس.

□ المواطن العادي يتجنب النظر إليهم، لانه اذا اطال النظر إليهم قد يعرض نفسه للاعتقال أو الجلد بالسوط.

□ وما أن ترتفع الشمس مقدار بوصات حتى تأتى عربات الدعامة محملة بالمواد التمونية المسروقة وتدخل السوق مع زمن دخول الفريشة، يجدها الذين يتذوقون الطعام الحرام فى الشوراع الجانبيه للسوق وكل من يظن فى نفسه خيرا لا يقترب منها.

□ عندما تم افتتاح قسم شرطة مربع 50، فرحت جداً وحدتني الآمال بأن عهد الأمان قد اطل وان الإدارة المدنية قيد التنفيذ وقد كنت أصدق ترهات عضو المكتب الاستشاري عمران من لندن، وعندما تم اعتقال جارى بحجة انه عسكري سابق وهو لا يمت للعسكرية بصلة لكنه يعمل مع رجل ذو مال، إكتشفت أن المعتقلين فى القسم عبارة عن مواطنين والمتحرين مجرمين سابقين ولصوص.
□ يصنف المواطنون فى قسم شرطتهم هذا الي ثلاثة فئات:
○ فئة دعامة ومستنفرون مخالفون.
○ وفئة متهمون انهم من قوات النظامية.
○ وفئة مواطنون متهمون دون تهم.
□ كل مجموعة تحجز في مكان منفصل عن الأخرى، طعامهم رز سليقة ولا شئٍ غيره.
□ كل 15 يمر على القسم المستشار القانوني، يقرأ ملفات المحتحزين، وقراراته تكون عادةً كالآتي: يُرحل الي سجن سوبا كل ما يثبت أنه يتبع لإحدى القوات النظامية. □ الدعامة المخالفون إما يُرحلون إلى سجن سوبا أو ينقلون الي جبهة القتال.

□ المواطنون الذين لم تثبت إدانتهم قد يطلق سراحهم أو إحتجازهم لاغراض الجودة والابتزاز وطلب الفدية، او لأخذ معلومات عن الحى، نحو من الذي يملك مالاً ومن الذي يملك سيارةً.
□ أو لاشياء أخرى فى انفسهم المريضة.

□ فى تمام الساعة العاشر يبدأ الدعامة جمع القروش من الفريشة، ثلاثة الف جنية من كل بائع، والذين لا يستطيعون ترحيل بضاعتهم، يدفعون رسوم إضافية لتخزينها في مخازن خاصة بالدعامة عند نهاية السوق، واذا تركت البضاعة في السوق ستشفشف لصالح الدولة المدنية.

□ عندما ينوى أى مواطن الذهاب للسوق، ينظر إلى اولاده نظرة مودع.
○ نقلاً عن مواطن عايش الوضع
○ الكاتب: مواطن مصدوم من الصالحة