🔴 الكلفة الكبيرة التي دفعها الشعب السوداني لم تكن بسبب الحرب ولكن بسبب جرائم مليشيات الدعم السريع
عام من الحرب في السودان
يلزمني أن أعترف مثل غيري بأننا أخطأنا في تقدير قوات الدعم السريع. كان الظن أنها ستقاتل بشرف.
وأنها ستتقبل حقيقة فشلها في الاستيلاء على السلطة وتوقف مغامرتها عند ذلك الحد؛ قوة حاولت الانقلاب والسيطرة على البلد وفشلت أمام صخرة الجيش العنيدة، وتلقت إثر ذلك ضربة في صميم عظمها العسكري والإداري أفقدتها القيادة والسيطرة وبرهنت لها بوضوح استحالة الانتصار. المنطقي والأخلاقي هو أن لا تتمادى أكثر وتتقبل حقيقة الفشل وتتحمل المسئولية لو أنها كانت قوة وطنية بالفعل وقلبها على البلد والشعب.
فالدعم السريع كقوة شبه نظامية قامت بمحاولة انقلاب على السلطة قد تم التصدي لها وتوجيه ضربة قاصمة لها. ولكن ما حدث بعد ذلك هو أن هذه القوة تحولت إلى مليشيا مسعورة منفلتة تقاتل بلا أي سقف أخلاقي أو وطني أو إنساني.
إنتشرت في الأحياء السكنية وفي المرافق الخدمية وبدأت في عمليات سرقة ونهب واغتصاب وقتل واحتلال للبيوت وتهجير أهلها واتخاذها ثكنات عسكرية. فإذا كان هذا هو الإنتصار والسيطرة فقد انتصرت مليشيا الدعم السريع بالفعل وسيطرت وما تزال توالي انتصاراتها إلى اليوم في قرى الجزيرة والنيل الأببض وكردفان ودارفور.
لقد صمد الجيش وتصدى لموجات الهجوم العاتية على مقراته واستطاع تدمير جزء كبير من القوات المهاجمة وأفشل المؤامرة تماما. ولكنه وجد نفسه لأول مرة أمام حرب لم يتوقعها من قبل؛ حرب وسط المدن والأحياء السكنية وفي قلب العاصمة.
صمدت القيادة العامة وصمد سلاح الإشارة وسلاح المدرعات ومنصع الذخيرة وسلاح المهندسين ووادي سيدنا وغيرهم وقدم المئات من الشهداء.
وبعد أن استيأست المليشيا من الانتصار على الجيش والسيطرة على العاصمة قامت بنقل الحرب إلى الأقاليم، إلى مناطق أكثر ضعفا يمكنها أن تحقق انتصارات سهلة. فأسقطت فرق نيالا والجنينة والضعين ولاحقا فرقة مدني.
وعلى الرغم من مرارة هذه الهزائم وكل ما تقوله عن وضع الجيش إلا أنها تؤكد حقيقة حاسمة وهي فشل المليشيا في معركتها الأساسية التي لو كانت نجحت فيها لما احتاجت إلى توسيع الحرب. فشلت في إسقاط قيادة الجيش وفشلت حتى في حصارها كما فشلت في إسقاط معسكرات المهندسين والمدرعات وغيرها. لقد صمد الجيش وامتص الصدمة بعزيمة الأبطال وتضحياتهم. لتبدأ بعد ذلك مرحلة الإنتقال من الدفاع إلى الهجوم وتحول اتجاه المعركة.
مرحلة الدفاع الطويلة التي خاضها الحيش لم تكن مجرد مرحلة سلبية، فخلالها تم استنزاف معظم قوة المليشيا التي تحولت من قوات شبه نظامية إلى مليشيات من المرتزقة من الأجانب والفزع القبلي، مجرد لصوص ومجرمين وقتلة بلا أي قضية.
الكلفة الكبيرة التي دفعها الشعب السوداني لم تكن بسبب الحرب ولكن بسبب جرائم مليشيات الدعم السريع. هذا هو الميدان الذي خسرنا فيه، خسر فيه الجيش والشعب وانتصرت فيه مليشيا الدعم السريع ومن يقف خلفها. لقد نجحت في تشريد المواطنين وقتلهم والتنكيل بهم بشتى الصور. ولكنها لم تهزم الشعب السوداني عسكريا ولم تهزم الجيش.
فشلت المليشيا في أهم هدف للحرب وهو تدمير العدو. الجيش صمد وازداد قوة وانتقل خلال عام من الحرب إلى الهجوم وحصار المليشيات ومطاردتها في كل السودان من دارفور إلى الخرطوم إلى الجزيرة وحيثما هربت سيلحق بها ويسحقها.
بعد عام من الحرب أصبحت الصورة واضحة وكاملة شعب وجيش يقاتلون في جهة، وخونة ومرتزقة ومجرمين في الجهة الأخرى. ولا أحد في السودان يتمنى أن تدخل مليشيا الدعم السريع إلى مدينته أو قريته، اللهم إلا إذا كان لصا يريد أن ينهب أو حاقدا يتمنى أن يرى المواطنين وهم يتعرضون للنهب والقتل والاغتصاب والتشريد، لأن هذا هو ما تقدمه المليشيات.
لقد خسر الشعب السوداني الكثير في هذه الحرب ولكنه كان سيخسر أكثر لو انكسر الجيش وانهزم، كان سيخسر كل شيء بما في ذلك أي أمل في المقاومة والخلاص.
عام من الحرب، الكثير من الخسائر والمآسي والموت والدمار، ولكن هناك أيضا الكثير من القوة والتقدم والإنتصار والأمل في مستقبل أفضل. لم يعد هناك خوف من الهزيمة أو شك في الانتصار. لم نعد نسمع أو نفكر في عدم قدرة الجيش أو في ضعف إمكانياته ولا في قلة جنوده، لم نعد نشك في وجود عدد كاف من المشاة لمواجهة أرتال الجنجويد التي كانت تهاجم معسكرات الجيش وأسلحته الأساسية. الجيش الذي كان محاصرا في مقراته قبل عام وقيادته محاصرة يتحرك الآن في كل مكان، لا تعرف المليشيات المشتتة، وفي ذهنها ضربة إذاعة أم درمان القاصمة، متى ولا أين ولا كيف سيوجه لها الضربة القادمة؛
ويعمل الجيش الآن مثل مكينة ضخمة لها إستراتيجية شاملة وخطة لكسب الحرب وإنهاءها بنصر ساحق، بينما تلاشت المليشيا وأصبح قادتها بين هارب ومختفي ومطارد ومحاصر أو مقتول أو مأسور أما جنودها فمجرد أوباش قتلة ولصوص ومجرمين لا يجمعهم شيء سوى الإجرام والخوف من المسيرات.
عام من الصمود، تخللته ملاحم وبطولات أسطورية سطرها أبطال الجيش والمجاهدين في بيت الضيافة وفي القيادة العامة، والمدرعات، والمهندسين، في بحري والكدرو والأبيض ونيالا وبابنوسة وغيرها. نسأل الله أن يتقبل الشهداء منهم ويشفى الجرحى. وقريبا بإذن الله ستضاف إليها انتصارات وشيكة في الجزيرة وفي الجيلي وفي دارفور وكردفان وفي العاصمة.
عام من الحرب ولو عدنا إلى ١٤ أبريل ٢٠٢٣ ألف مرة، فلن يكون أمامنا من خيار سوى #بل_بس. لا مجال للقبول بأوباش دقلو بأي حال من الأحول.
حليم عباس