هل يتجرع الغرب السم الشرقي في السودان؟
إذا كان لا بد من عنوان واحد لمقطع الفيديو الذي يظهر عبره “متمرد” يتوعد الدولة والرئيس “البرهان”، ويعلن عن تلقي قوات التمرد بالمملكة السعودية دورات تدريبية على الطيران والمدفعية، هو “الكوميديا السوداء”.
الحقيقة أن منسوب المليشيا كاذب، وان المناسبة كانت تخريج دورة مسيرات استطلاعية تتلقاها كل قوات عاصفة الحزم بالمملكة من مختلف الجنسيات، تدريب الطيارين يحتاج لطاقم بشري يحمل مؤهلات علمية، ويحتاج للالتحاق بالكلية الجوية، لن يكون في الصحاري وبين كثبان الرمال.
تلك حقائق لا يمكن إنكارها، ولكن هذا الموقف أسقط ورقة التوت التي تتستر بها القيادة السعودية، وهي تدعي الحياد، وأنها تسعى للوصول إلى حلول عاجلة للأزمة السودانية، باعتبارها دولة تدرك مدى عمق وأهمية وخطورة التحديات في العالم، و تقرر أن تكون الشريك الركن في العمل على الحلول، والسعي نحو عالم أكثر تعاوناً وبناء ومساواة في فرص السلام.
الخطير أن المملكة وضعت يدها على قوات المليشيا المشاركة ضمن لواء الحزم فور اندلاع حرب ١٥/ أبريل، ولم تنفذ قرار القائد العام للجيش السوداني ورأس الدولة بحل “قوات الدعم السريع”، بل جعلتها قوات مستقلة، تحت قيادة “محمد إسماعيل دقلو” ابن عم “حميدتي” و أوكلت لها مهمة حماية قطاع “نجران”، بعد سحبها من اليمن نتيجة تفلتات منسوبيها، مثل التعاطي والاتجار بالمخدرات، والهروب من الخدمة.
بكل عفوية وتلقائية، أزاح مقطع الفيديو الستار على مسرح تفوح منه رائحة التآمر وسوء النية، رغم أن المملكة تقدم نفسها كوسيط في منبر تفاوضي يسعى لتحقيق السلام.
كل المعطيات أكدت أن الحلف الغربي بما فيه المملكة السعودية يبيت النوايا الخبيثة تجاه السودان، وان ما يظهر للعين المجردة ليس هو ما تخفيه أقنعة رسل السلام.
الجميع يتآمر، يراوغ، و يخادع، لن يساند الغرب حكومة “البرهان” ما لم تركع وتقدم فروض الولاء والطاعة، لذلك يجب أن تنظر القيادة السودانية لمصلحة الشعب ومعركة الكرامة، بعيداً عن كل الاعتبارات، افتضاح أمر المملكة السعودية وموقفها الخبيث من قوات التمرد بأراضيها، يجب أن يكون فرصة أو فسحة ضوء، للانتقال من هذه المرحلة التي تعتبر من أشد المراحل تخبطاً و اضطراباً في تاريخ السودان.
النظام الدولي في حالة انهيار، والشرق الأوسط يتفجر، وروسيا تتقدم في معركة ضم أوكرانيا؛ الولايات المتحدة تعوم فوق بحر من نقاط الضعف والهشاشة، بدءً بفشلها في احتواء حرب غزة وإسرائيل، مروراً بمعركة انتخاب رئيسية تضع العالم كله على حافة الرعب من ظهور “ترامب” مرة أخرى، لا يعرف أحد ماذا يحمل في عقله لهذا العالم الهش.
يجب أن يقدم “البرهان” احترام سيادة السودان، استقلاليته، وحرية قراره في اختيار الحلف المناسب والداعم على كل الاعتبارات، وجعل هذه القاعدة مبدأ يلتزمه الجميع. من دون ذلك، سوف يستمر السودان في التكسّر، و اعتياد طرق الزوال.
لا شك في أن كل الأنظار اتجهت مطلع الأسبوع المنصرم إلى التطورات في السياسة الخارجية السودانية، وكانت زيارة الوفد الروسي مفاجأة غير سارة لمليشيا الدعم السريع و حلفها الدولي، ربما يهرب النوم من أعين قادتها، أن علموا أن الروس قدموا أياديهم بيضاء للسيادة السودانية، وعرضوا إسناد معركة كرامة الشعب السوداني بكل ما في وسعهم من إمكانات عسكرية، سياسية، دبلوماسية، بجانب العمل على قطع العلاقة بين منظمة “فاغنر” ومليشيات “آل دقلو” الإجرامية.
الصين وروسيا من بين عدد قليل من الدول التي تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع “السودان”، ففي نهاية العام 2023، زار نائب رئيس مجلس السيادة “مالك عقار”، “الصين”، بادرت القيادة الصينية بحسن نوايا و أعلنت دعمها للسودان، كما فعلت موسكو الآن، ولكن القيادة السودانية مترددة، سلحفائية في اتخاذ القرار.
لم يعد يحتمل السودانيون التسويف وانتظار فرج الزمان، ومحاولة شراء الوقت، صبروا عاماً كاملاً، ولن يصبروا أكثر، المعاناة فوق الاحتمال، يجب على الرئيس “البرهان” وطاقمه اتخاذ القرار، بالتوجه إلى الحلف الشرقي والاستفادة من إمكاناته في حسم معركة الكرامة لصالح الشعب، لا شيء صعباً أمام الإرادة الصلبة و النيات الكبرى.
وأهم ما في هذا القرار أنه يصبح نموذج واقعي لما تقدر عليه القيادات الجدية والمؤتمنة على خيرها وخير الآخرين معها.
محبتي واحترامي
رشان أوشي