تحقيقات وتقارير

“المحقق” تقدم قراءة في تصريحات ياسر العطا

الاتفاقيات مع روسيا توجه حقيقي للدولة أم مناورة سياسية

الوثيقة الدستورية الجديدة من سينفذها ومتى ستبدأ المرحلة الإنتقالية

القاهرة- المحقق – صباح موسى

تصريحات عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للقوات المسحلة الفريق ياسر العطا، أثارت الجدل في فحوى المعنى والتوقيت، وفتحت بابا واسعا للأسئلة حول مدى الجدية في التنفيذ، وامكانية المناورة في وقت يحتاج فيه السودان إلى مثل هذه الكروت من الضغط الداخلي والخارجي.

حديث العطا
وعن أهم ماجاء في حديث العطا واستوجب الوقوف عنده أنه كشف في تصريحاته لقناتي العربية والحدث أمس “السبت” أن روسيا طلبت إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة، وأن اتفاقيات بهذا الصدد سيتم توقيعها قريباً، واعتبر أنه ليس عيباً إعطاء قاعدة عسكرية لأي دولة على البحر الأحمر مقابل الإمداد بالأسلحة والذخائر، كما أعلن العطا أن رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان سيلغي الوثيقة الدستورية ويعتمد دستوراً جديداً لإدارة الفترة التأسيسية الانتقالية، مبينا أن هناك خطاب مرتقب للبرهان يعلن فيه عن رئيس وزراء مستقل يعيّن حكومته من كفاءات مستقلة، كما اتهم العطا فرنسا بالسعي لإنشاء وطن “لعرب الشتات” في دارفور على حساب سكانها الإصليين.

جدية أم تلويح
تأتي تصريحات ياسر العطا بعد أكثر من عام على الحرب في السودان، ويبدو أن القوات المسلحة السودانية ضاقت ذرعا بالأساليب الأمريكية والأوروبية في كيفية حل الأزمة السودانية، ومن الممكن أن تقرأ هذه التصريحات من باب التلويح بالكارت الروسي البديل، وسط احتمالين اما أن يكون هناك نية حقيقية للإعتماد على روسيا في المرحلة المقبلة، بعدما نجحت موسكو بشكل كبير في مساعدة بعض الدول الأفريقية وعلى رأسها دول الساحل الأفريقي في تعزيز الأنظمة العسكرية بهذه البلدان، ومساعدتها بشكل كبير في مواجهة مشاكلها وتحدياتها، واستطاعت روسيا أن تكون بديلا مناسبا بعد طرد القوات الفرنسية والأمريكية هناك، وشجع في ذلك استحسان شعبي كبير للوجود الروسي، بعد نفور كبير من الهيمنة الأوربية والأمريكية، أما الإحتمال الثاني هو أن مجلس السيادة، ربما يحاول بالمناورة التلويح بامكانية الإعتماد على الدب الروسي، بعد اليأس من المحاولات الغربية بانتهاج سياسة الكيل بمكيالين، وعدم الجدية في حل الأزمة السودانية، إلا بعد تحقيق أطماع بدت واضحة جدا في البلاد.

مناورة الوثيقة
كما يبدو أن الحديث عن إلغاء الوثيقة الدستورية، والتي تم الغائها عمليا بعد اجراءات 25 أكتوبر، ربما يقرأ من باب تحذير القوى السياسية التي وقعت عليها مع المكون العسكري آنذاك، بأن هناك نية لعمل وثيقة جديدة مع أطراف مختلفة غيرها، بعد الموقف الذي تتخذه هذه القوى من الحرب، وانحيازها للدعم السريع بشكل ملحوظ، فهل ستكون هناك وثيقة دستورية جديدة بالفعل، أم أن وثيقة المرحلة التأسيسية للمرحلة الإنتقالية التي وقعت عليها قوى سياسية قريبة من خط الجيش ستكون هي البديل للمرحلة المقبلة، وهل سيتم تطبيقها مع تشكيل الحكومة الجديدة مباشرة والتي أعلن العطا عن تشكيلها قريبا، أم أن الحديث عن وثيقة لما بعد الحرب، علاوة على سؤال آخر حول المرحلة الإنتقالية وبدايتها هل ستكون قبل الحرب أم بعدها.

حديث معمم
واعتبر عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار أن تصريحات العطا مجرد حديث معمم، الهدف منه الهروب إلى الأمام. وقال ميرغني لـ ” المحقق” إن القضية الأساسية في البلاد، هي إعادة صياغة الدولة، بدلا من سلطة الأمر الواقع، مضيفا أن هياكل الدولة كثيرة، وأنها ليست مجرد مجلس وزراء، فهناك هياكل أخرى يجب تشكيلها مثل المجلس التشريعي وغيره من هياكل بناء الدولة، معربا عن اعتقاد بأن الحديث عن توقيع اتفاقيات قريبة مع روسيا ليس به جدية، وقال إن روسيا طلبت من قبل محطة للتزود بالقود على البحر الأحمر، وإن موسكو أعلنت على لسان وزير خارجيتها عند زيارته للسودان في عام 2022 قال إن بلاده تفضل أن تبحث هذا الأمر مع حكومة مدنية ومجلس تشريعي، لافتا إلى أن موضوع روسيا والاتفاق معها ورقة تستخدم عند اللزوم، وقال أما فكرة التزويد بالأسلحة الروسية، المقابل له هو رغبة موسكو في الحصول على ذهب السودان وأن هذا ليس معناه رغبة عسكرية روسية في هذا التوقيت.

شراء للوقت
واتفق ميرغني مع حديث أن الوثيقة الدستورية غير معمول بها أصلا منذ 25 أكتوبر، ورأى أن التلويح بتغييرها هو من باب المناورة السياسية، وقال إنه ليست هناك جهة أصلا تضغط من أجل وضع دستوري، معتبرا أن الحديث في هذا الأمر مجرد شراء للوقت ليس إلا، وأنه لن تكون هناك حكومة جديدة، وقال كلها أحاديث سمعناها كثيرا من قبل ولم تنفذ، كما رأى أن الإتهام بأن فرنسا تريد تجميع عرب الشتات في دارفور مجرد أوهام، وقال ما علاقة فرنسا بعرب الشتات، موضحا أنها قبائل ممتدة في الساحل الأفريقي وأنها أقليات، متسائلا ماهي مصلحة باريس في تجميع هذه القبائل، وقال إن النظام السابق حاول توطين هذه القبائل العربية في دارفور.

مسألة حتمية
بدوره رأى الدكتور التجاني سيسي رئيس قوى الحراك الوطني أن توقيع اتفاقيات مع روسيا مسألة حتمية. وقال سيسي لـ ” المحقق” إن الظروف التي مر بها السودان والحرب وبعض العقوبات التي مازلت سائرة على البلد، وإن هنالك الكثير من التحفظات الغربية على القوات المسلحة، وهنالك آخرون يدعمون مليشيا الدعم السريع، ولم يستبعد أن الحكومة السودانية يمكن أن توقع اتفاقات من هذا النوع مع روسيا، مؤكدا أن ذلك مسألة سيادية متروكة للحكومة في أن تفعل ما تشاء في هذا الأمر، واتفق سيسي مع اتهام فرنسا في جمع عرب الشتات في دارفور، وقال إن هنالك مسألة غير مفهومة في التوجه الفرنسي، خاصة أنها لديها سطوة على تشاد، وعندها وجود أمني كبير وتدرك كل مايدور داخل تشاد، مضيفا لا أعتقد أن فرنسا لا تدرك أن الإمارات تستخدم مطار ” أم جرس” التشادي لنقل الأسلحة والعتاد إلى الدعم السريع، وأن فرنسا تعتقد أن عرب الشتات هم السبب في كل القلاقل في مناطق الفرانكفون الفرنسية، وربما شعرت أنه لابد من التخلص منهم في تلك البلدان حتى يعود النفوذ الفرنسي في هذه المناطق، وتابع أن تشاد هي الأخرى تريد التخلص منهم، لأنهم يثيرون القلق بها، وأن هناك كثيرون من عرب تشاد لجأوا للسودان وأصبحوا في مواقع نفوذ في غفلة من الزمن خاصة أيام حكم الإنقاذ، معتبرا أن السياسة التشادية أيضا تشجع عرب الشتات في الاستيطان بدارفور. وعن حديث العطا عن الوثيقة الدستورية، أوضح سيسي أنه لم يقصد به الوثيقة التأسيسية للمرحلة الإنتقالية التي وقع عليها القوى المؤازرة للجيش، وقال إن العطا يقصد الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الإنتقالية، مضيفا أن ذلك يعني أنه ستكون هنالك مراجعة للوثيقة الدستورية، وربما يتم العمل بوثيقة أخرى أو العودة إلى دستور 2005.

توجه حقيقي
أما الدكتور خالد التجاني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، فقد رأى في تصريحات العطا توجه حقيقي تجاه روسيا، مشيرا إلى تسمية الوفود التي ستذهب إلى موسكو لتنفيذ ذلك، وإلى أنها مربوطة باتفاقيات اقتصادية وسياسية وليست عسكرية فقط. وقال التجاني لـ ” المحقق” إن المشكلة الآن أن السودان يدفع ثمن موقعه الجغرافي الذي لم يستفد منه، وإن جزء من موارد البلاد هي المعضلة، مضيفا أن الحكومة تراهن على علاقتها مع الغرب، لكن من الواضح أن أمريكا لا تريد تحقيق علاقات استراتيجية مع السودان، حتى مع الحكومات الديمقراطية السابقة بالسودان، في وقت كانت فيه داعمة للحكومات الشمولية، وتابع أن أمريكا كانت أكثر تعاملا مع حكومة الإنقاذ نفسها، خصوصا في قضايا الحرب على الإرهاب ودارفور وغيرها، ولم يكن هناك مشكلة جوهرية، صحيح كانت هناك عقوبات ولكنها كانت غير فاعلة، مشيرا إلى قضية فصل الجنوب والتي ساهمت فيها أمريكا بشكل كبير، وإلى أنها لم تمد يد المساعدة للجنوبيين بعد هذا الإنفصال، وقال إن العطا أشار إلى أن الباب مفتوح لكل الأطراف لتوقيع اتفاقيات، متخذا جيبوتي نموذجا في وجود قواعد عسكرية دولية كثيرة بها على البحر الأحمر رغم قصر شواطئها مقارنة بالسودان، مؤكدا أن السودان يرحب بالجميع، وأن ذلك ليس معناه هذا مقابل ذاك، مضيفا أنه ليس هناك رغبة من الغربين في رؤية سودان آمن مستقر.

فراغ سياسي
وقال التجاني إن الوثيقة الدستورية قد تم إلغاؤها بالفعل بعد 25 أكتوبر 2021، موضحا أن الوثيقة الدستورية كانت مصممة على أطرافها، وإنه لم يتم تنفيذها حتى بعد توقيعها، وهذا ما أدى إلى فشل المرحلة الإنتقالية، بعد تنازل الطرف المدني لجزء من صلاحياته للطرف العسكري الذي حول المجلس السيادي بدوره من شرفي إلى فعلي، من أجل اقتسام السلطة في المرحلة الإنتقالية، لافتا إلى أن الحديث عن ترتيبات الإنتقال في هذا التوقيت معناه أن الجيش في وضع عسكري أفضل جعله ينتقل للحديث عن الملف السياسي لإدارة الفترة الإنتقالية، مضيفا أن أحد اشكاليات القوى السياسية أنها تركت فراغا كبيرا يملؤه العسكريون الآن، وتابع أن كلا القوى السياسية المضادة بالبلاد لا يمتلكان رؤى سياسية، موضحا أن القضية متعلقة بحسابات عن إطار دستوري وإدارة مدنية، وأن الحديث عن تشكيل حكومة الآن مختلف عن تشكيل حكومة حرب في السابق، مؤكدا أن هناك ترتيبات انتقال حقيقية، وأنه لابد أن يكون هناك حكومة مدنية، وقال إن الجيش يستبق أي عملية تفاوض، بنقل العملية في الوقت الراهن من النزاع المسلح إلى مخاطبة القضايا على الأرض، ولم يستبعد عمل العسكريون لوثيقة جديدة ربما بالتشاور مع بعض القوى السياسية، وقال إن الأولوية الآن لإنهاء الحرب، وتابع أن هذا الإنهاء له سيناريوهات مختلفة، بدرجة معينة من التوازن العسكري، وربما لم ينتظر الجيش انتهاء الحرب تماما لتشكيل حكومة جديدة، وربما تبدأ بعدها مرحلة قبل انتقالية.

القاهرة- المحقق – صباح موسى