دخلت نملة.. أخذت جولة وخرجت!!
ذات الأسباب التي أدت لتعطيل التفاوض في الجولة السابقة بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال حول المنطقتين، هي التي أجهضت الجولة الثانية التي اختتمت أمس بأديس أبابا، فقد قدمت الحركة الشعبية قطاع الشمال نفس مطالباتها التعجيزية ولم تغير منها شولة واحدة، ومارست ابتزازها وتعنتها، ولم تقدم أية مقترحات أو نقاطاً فعَّالة على ورقة الوساطة كما فعل الوفد الحكومي، وجاء ردها على الوساطة تكراراً لما هو معلن أصلاً.. ومن الطبيعي ألا تجد الوساطة ولا الوفد الحكومي أية مشتركات يمكنها أن تقود إلى نقطة التقاء تحدد من خلالها أجندة التفاوض للمضي قدماً في طريق التسوية ووقف الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وكان متوقعاً من البداية أن تنكفئ الحركة الشعبية قطاع الشمال على نفسها وعلى تصميمها في إنهاء هذه الجولة بلا نتائج، وذلك نظراً لعوامل كثيرة ذكرناها منذ الجولة السابقة، ولا مناص من ذكرها مرة أخري، تتلخص في ما يلي:
1/ دخلت الحركة الشعبية قطاع الشمال هذه المفاوضات وظهرها إلى حائط من قوى دولية وإقليمية، تحرضها وتوجهها لرفض التسوية والحلول ما لم تحقق لها الاتفاقيات الموقعة أهدافها كاملة، ومنها الإبقاء على الجيش الشعبي في المنطقتين خلال الفترة الانتقالية، والشراكة السياسية والتنفيذية الكاملة، والتعاضد مع بقية قوى المعارضة في دفع الاتجاه نحو حكومة قومية انتقالية وتفكيك النظام، وإقحام القضايا الأخرى غير ذات الصلة بالمنطقتين.
2/ توجد لدى قيادة الحركة قطاع الشمال، تأكيدات من هذه القوى الدولية والإقليمية وأطراف معادية للسودان، بأن الوضع الاقتصادي وإجراءات عقوباتية جديدة من محيط إقليمي ستعجل بنهاية النظام، وتزعم أنه بدأ يتضعضع نتيجة لتأزم الحالة الاقتصادية، وقدرت هذه الجهات الناصحة لقطاع الشمال الفترة المتبقية من عمر النظام بثلاثة أشهر لا غير، ولذا تصلح المماطلة على طاولة التفاوض لكسب الوقت وإنفاقه في الجدل والتعنت حتى يتحقق الهدف المطلوب.
3/ تراهن أيضاً الحركة الشعبية ومن يقف وراءها، على أن فشل الجولات التفاوضية سيؤدي في النهاية إلى رفع تقرير الآلية رفيعة المستوى إلى الاتحاد الإفريقي «مجلس السلم والأمن» وإلى مجلس الأمن الدولي، وفي حال وصول التقرير إلى مجلس الأمن الدولي فإن عرابي الحركة الشعبية قطاع الشمال وسادتها من القوى الدولية سيتولون ما يلزم من إجراء داخل مجلس الأمن، وسيحمِّلون الخرطوم المسؤولية لتتم معاقبتها، وسيجري فرض الحلول التي طرحتها الحركة من جانبها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبمنطوق القرار «2046» خاصة فرض الممرات غير المراقبة لعمليات الإغاثة التي تقوم بها منظمات دولية، وعدم التقيد بالاتفاقية الثلاثية بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية للعمل الإنساني، ومن ثم يتم دعم الجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق والجبهة الثورية وحركات دارفور لاجتياح الخرطوم والاستيلاء على السلطة.
4/ جعلت الحركة الشعبية قطاع الشمال من مناقشة القضايا القومية، والمطالبة بحكومة انتقالية، والمشاركة في ما يسمى المؤتمر القومي الدستوري، والإطار الموحد للتفاوض، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ومسألة الهوية، وغيرها من القضايا التي أثارتها.. ذريعة لاستدراج الحكومة للرفض والوساطة للتحفظ، حتى لا يتم شيء خلال هذا المنبر التفاوضي والجولات المعلنة لتحقيق الأهداف المذكورة آنفاً.
ولا بد أن نذكر هنا، أن تحالف قوى المعارضة الداخلية خاصة اليسار وعملاء واشنطون، كانوا موصولين بوفد الحركة المفاوض وداعمين له، بجانب الخبراء الذين تم استجلابهم، لإسناد الوفد المفاوض وتعزيز موقفه التفاوضي وحراسة هذه الخطة المحكمة من أي تخاذل أو تراجع، وبالفعل هو ما ظل يحدث خلال الجولتين السابقة والحالية التي انتهت أمس ببيان من وفد الحكومة وبيان للسيد ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى.
وتصبح الخيارات المتاحة لهذه المفاوضات ضئيلة للغاية، فلا سبيل لمواصلتها وموقف قطاع الشمال هو نفسه بكل أوهامه وأحلامه وتعنته، فإذا رفع التقرير إلى الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، فسيكون هناك موقف آخر وتقديرات أخرى، لكن على الحكومة أن تفكر منذ هذه اللحظة في كيفية الحسم العسكري وتعبئة القطاعات الشعبية والتحسب لما هو قادم.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة