بعد عبد الرحيم.. كرتي في القاهرة!!
لم يفهم كثيرون مثلنا، فحوى وأهمية وتوقيت زيارة السيد وزير الخارجية علي كرتي إلى جمهورية مصر، رغم أهميتها بالنسبة للحكومة التي أرسلت قبل فترة وزير الدفاع إلى الجارة الشمالية، والسبب في الحيرة وعدم الفهم والاستيعاب، أن الزيارة تأتي في سياقات متعددة تجعل القاهرة اليوم غير قادرة على صناعة أي فعل سياسي في المنطقة، أو الاهتداء لأسس ومقومات التجانس مع الخرطوم، وترميم علاقاتها البينية والثنائية، ووغير قادرة أيضاً على الخروج من أوحالها وأحوالها المأزومة.
هناك حكومة مصرية جديدة، ثاني حكومة في أقل من ثمانية أشهر منذ الانقلاب، وأعلنت قبل يومين، لم تتغير فيها حقيبة الخارجية المصرية، ولا تبدو الصورة واضحة بالنسبة لحكومة إبراهيم محلب، ومازال الإعلام المصري يقود حملة إعلامية ضارية ضد السودان، وهو إعلام ذو تأثير بالغ في تشكيل الرأي السياسي الرسمي وقناعات الشارع المصري، ولا تبدو الدولة المصرية في سياقاتها هذه مؤهلة بالكامل للتعامل مع قضايا العلاقات السودانية المصرية بروح إيجابية، ولا يستيطع الرأي العام السوداني مقابل ذلك تفهم مواقف مصرية عديدة عبرت عنها مصر الرسمية تجاه السودان، مع التسليم نوعاً ما وليس بشكل كامل، بأن ما يحدث في مصر شأن داخلي.
فغياب بعض المؤسسات الدستورية المصرية والتوترات الأمنية والسياسية، وظلال ما يجري داخلياً، وحالة عدم الاستقرار والشد والجذب، والمشكلة في عملية صنع القرار، والانكفاء على تداعيات الوضع المتوتر ومضاعفاته، كلها تجعل الدولة المصرية غير مهيأة لطي صفحات وفتح أخرى.
وهناك متغيرات طرأت على الساحتين المصرية والسودانية على السواء، كما أن الإقليم من حولنا على مستوييه العربي والإفريقي تجتاحه تطورات متسارعة، لا تمكن مصر من اللحاق بها والتعامل معها، فالعالم العربي منقسم حول ما يحدث في مصر، وهناك تراجعات ومراجعات تجرى لتقييم الحالة المصرية ونتاجاتها من دول عربية خليجية ساندت الانقلاب في مصر، وبدأت تتحسس خطورة ما يجري وأنه لم يعط الثمار المطلوبة.
وكذلك القارة الإفريقية تقاطع القاهرة، رغم المحاولات الحثيثة من بعض الدول لإلغاء قرار الاتحاد الإفريقي بحظر مشاركة مصر في العمل الإفريقي المشترك.
وتواجه مصر أزمة إقليمية أشد تأثيراً على وضعها وأمنها ومستقبلها كما تقول، هي العلاقة المائية مع دول حوض النيل مجتمعة، وحول سد النهضة الإثيوبي، وهذه خلقت نوعاً من الشلل أشبه بالشلل الرعاش في الذهنية السياسية والإعلامية المصرية لاحتواء هذه القضية والتعاطي معها بحذق وفق متطلبات منظومة إستراتيجية للمصالح المصرية وأمنها المائي والقومي.
إذا كانت الخرطوم الرسمية قد تجاوزت الحالة الانقلابية المصرية منذ الأيام الأولى معتبرة ما جرى شأناً داخلياً، وتريد مد كل الخطوط مع الطرف الذي استولى على السلطة في القاهرة كيفما اتفق، فإن هناك وقتاً سيطول حتى تتحسن الصورة العامة لدى الرأي العام السوداني عن الذي يحدث هناك، أضف إلى ذلك التصريحات السالبة في موضوع حلايب وقرار حكومة الببلاوي السابقة بشأن مدينة حلايب نفسها وما يجري في كامل المنطقة التي ضمتها القاهرة بوضع اليد، وتعبئة الرأي العام المصري ضد السودان.
وهذه السياقات المختلفة، تقف أمام علي كرتي، رغم أنها كانت بشكل أقل قد وقفت أمام الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع في زيارته القصيرة أخيراً للقاهرة، فالمشهد السياسي المصري بكل ما يحمله من تفاصيل، لا يبدو واضحاً ومحدد المعالم والاتجاهات، ولا توجد إجابات مصرية في هذه اللحظة عن الأسئلة المطروحة عليها، إلا إذا كانت هناك إجابات تقال دون إعلان وسراً للحكومة ولا نعلمها نحن غمار الناس!!
ولا يختلف إثنان على عمق العلاقة بين البلدين وأهميتها، وضرورة وضع رؤى مستقبلية لها كما قال الوزير كرتي في مؤتمره الصحفي أمس بالقاهرة، لكنها علاقة ورؤى وحقائق تحتاج إلى توضيحات وأسس سليمة، حرصاً من الطرف الآخر فليس هناك حب من طرف واحد!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة