رأي ومقالات

معركة العقول وصراع الاستراتيجيات

إن المعركة التي يخوضها السودان حاليا في وجهها السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، القانوني، الإعلامي، التقني والعسكري، هي جزء من الصراع الاستراتيجي الدولي حول السواحل البحرية وموارد الطاقة والمعادن الاستراتيجية والصناعية وموارد الغذاء بجانب الصراع
الثقافي العقدي. وجميع الأطراف الفاعلة في المشهد الدولي تمتلك حشودا معرفية ضخمة ومراكز تفكير كبيرة ومؤسسات داعمة للقرار وصنع السياسات العامة، توظف بحنكة في صراع المصالح.

على سبيل المثال تعتبر الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية واحدة من ضمن أكثر من 400 مؤسسة من مراكز الأبحاث ومستودعات التفكير التي تسهم في صنع القرار والسياسات العامة في الصين، ويعمل في الأكاديمية أكثر من ثلاثة آلاف باحث متخصص ، وتضم أكثر من ثمانين معهدا متخصصا ومركزا بحثيا. وفي الولايات المتحدة وأوروبا قد يطغى تأثير مؤسسات مثل معهد بروكنجز وكارنيجي وراند وشاتام هاوس ومجلس العلاقات الخارجية، لكن في الواقع فإن القائمة تضم آلاف مراكز الأبحاث ومستودعات التفكير، يعمل فيها ولمصلحة الدول المعنية عشرات الآلاف من الخبراء والباحثين وتمول بمليارات الدولارات سنويا.

أن القصور في إدراك حجم وأبعاد المعركة، وتصور المعركة على أنها معركة عسكرية مخدومة بأدوات غير عسكرية هو تصور قاصر وتفسير خاطئ وسيؤدي إلى السير في المسار الخطأ. فالسودان لا يواجه الدعم السريع فحسب، علينا ان ندرك من يقف خلف الأحداث، وعندها سندرك طبيعة السيناريوهات التي يمكن ان تحدث، والساحة الدولية مليئة بالشواهد.

إن إدراك طبيعة العدو وحجم وطبيعة الصراع يعني إدراك أدوات الصراع والتي تفوق الثلاثين أداة، عندها سندرك أنه من الخطورة بمكان التعامل مع المعركة على أنها معركة عسكرية. فمواجهة إستراتيجيات محكمة وعميقة ومسنودة بحشود معرفية ضخمة لا يمكن أن يتم عبر رؤى متفرقة وملفات مجزأة وإدارة ديوانية رتيبة. المطلوب بعيدا عن أي مجاملات فريق مؤهل لإدارة المعركة الناعمة، والتأخير له ثمن باهظ وليس في مصلحة الوطن، فالمعركة معركة إرادة وعقول ومعارف على المستويين المدني والعسكري.

أ.د. محمد حسين أبوصالح