كيف نجحت مشاريع الإنتاج الحيواني في دول الخليج ؟
نجحت لأنه كانت هناك حكومات تدعم القطاع الخاص وتشجع.
في المملكة العربية السعودية كان البنك الزراعي يمول كامل قيمة المشروع مقابل السداد بأقساط مريحة على مدى ربما 15 سنة تقريبا لأني أكتب من الذاكرة وقد طال بنا العهد.
بعد إكمال المشروع كان يتم دعم الأعلاف علما إن تكلفة العلف تقدر ب 70% من تكلفة الإنتاج وهو دعم منحة تصل ل 50% وليس قرض.
لا أدري كيف الوضع اليوم ولكن هكذا بدأوا من الصفر من منتصف السبعينات.
رأس مال التمويل كان دراسة جدوى من مكتب دراسات معتمد متخصص في المجال.
أما كبار رجال الأعمال فقد إقتحموا المجال فكانت دواجن الوطنية ملك الشيخ الراجحي وقد بدأت أعمال الإنشاءات فيها عام 1984م تقريبا ، وقد تم إسناد تشييد الحظائر لشركة فان آرسن الهولندية ولم يختاروا أقل سعر بل سرعة الإنجاز فكان يتم تسليم حظيرة كل 48 ساعة.
المرحلة الأولى كانت 400 حظيرة تقريبا وكنت مندوبا شابا للمبيعات وأزور المشرع كل شهر ونصف تقريبا حتى خلال فترة الإنشاءات لأن التربية كانت تبدأ فورا في الحظائر التي تستلم.
المشروع صار مدينة سكنية ، بها مدارس ومستوصف وسوبر ماركت ويمكن للمتزوج أن لا يشعر بالحوجة لمغادرة المشروع لأن كل الإحتياجات متوفرة.
وعلى نفس النمط إنطلقت النهضة في مجالات صناعة الألبان فتم تشييد المشاريع الضخمة المتكاملة وبها آلاف الأبقار من السلالات الأوروبية المشهورة فريزيان وما شابه.
دعك من مجالات البساتين والمحاصيل فالسعودية اليوم منتج كبير للزيتون وزيت الزيتون والفواكه الإستوائية مثل المانجو والجوافة.
والسعودية أكبر مصدر للزهور في الدول العربية هي وكينيا أفريقيا ولكن مزارع الزهور في كينيا مملوكة لأوروبيين غالبا بينما في السعودية مملوكة لمواطنين.
زد على ذلك خدمات الكهرباء المستقرة وإذا كانت المنطقة بعيدة فالمولدات الضخمة متاحة مع توفر قطع الغيار والزيوت الصناعية.
كثير من السودانيين كانوا لا يعلمون ذلك ومحبوسين داخل فكرة تملكت أذهانهم مفادها السعودية بلد صحراوي.
في 1978م وأنا بالسنة الثانية طالب في كلية الزراعة أخبروني أن وفدا من طلاب كلية الزراعة من جامعة الخرطوم سيزور الكلية في الأحساء ففرحت وسعيت لمقابلتهم والسلام عليهم وبادرت بمرافقتهم دون توجيه رسمي لي بذلك ، هاشمية ساكت.
وجاءوا للمعمل وحضروا معنا درس تطبيقي تم فيه تشريح فرخة فسمعت أحدهم يهمس لرفيقه ساخرا : تلاقيهم شرحوا لينا آخر فرخة في السعودية !
شعرت بالإحباط وصمت ، وغادرنا وركبنا البص لزيارة محطة أبحاث ولكن شعرت بهم منصرفين عني وكانوا يتبادلون بينهم الأحاديث ويكثرون من حقنها بالكلمات الإنجليزية بركاكة ويبدو أنهم شعروا بالتعالي على هذا المسكين الذي أتى به حظه ليدرس زراعة في هذا البلد الصحراوي.
كانت دراستنا باللغة الإنجليزية وكان يتم تمليك الطالب الكتب الدراسية وظلت معي حتى إندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م كذكريات عزيزة ، Dukes’ Physiology of domestic animals وكتاب الإقتصاد المشهور لبول صمويلسون Principles Of Economics.
بعد أن شعرت بالبرود وعدم الإنسجام إنسحبت بهدوء ولم أكمل الجولة.
لا زلت أذكر بالوفاء والعرفان أستاذي دكتور هوجو فاريلا الفاريز من كولومبيا ومن إخلاصه وافق على تدريسنا ونحن طالبين فقط كورس مادة إنتاج الضأن والأغنام Sheep & Goat Production ، وكنا طالبين فقط أنا وزميلي الفلسطيني صالح محمود الزغاري.
إشترط علينا ألا يغيب أحدنا لأن نسبة الغياب ستكون 50%، وكان يأخذنا بسيارته الباسات لمحطة الأغنام وعلمنا تطبيقيا جز الخراف وأجدت فعلا جز الخراف ، وتدربت على قيادة التراكتور وقمت بممارسة الحرث في التطبيقي ، ولم يكتف بذلك فأقترح علينا تدريسنا مادة البرمجة الخطية Linear Programming خارج المقرر لأن مجلس الكلية لم يوافق عليها ولكنها مفيدة وستفيدنا في حياتنا العملية مستقبلا في حل مسائل التفاضلات Optimization وستفيدنا في وزن العليقة والقرارات الإدارية خاصة الصناعية.
مادة كاملة ولفصل دراسي كامل كنا نجلس نحن الإثنين فقط أنا وزميلي الفلسطيني معه بالمكتب في محاضرة وتطبيق لمدة ساعتين وفي آخر الفصل قام بإختبارنا وكانت مادة لم تظهر في كشف الدرجات.
كل مجهوده معنا كان دون مقابل ومن بروف هوجو فاريلا الكولومبي تعلمت الإتقان ولا أجد ما أكافئه به سوى الوفاء وعدم نسيان إسمه ثلاثيا وملامحه بدقة.
دكتور أحمد التيجاني المنصوري كان معيدا أو محاضرا لكنه كان في كلية البيطرة وكنت في كلية الزراعة فلم يدرسنا ولكن كنت أشاهده كثيرا.
كلية الطب البيطري كان أول عميد لها بروف إبراهيم الدسوقي وقد أحضروه من نيجيريا وهو من أول دفعة بيطرة جامعة الخرطوم وملأ الكلية بالسودانيين دكاترة ومعيدين ومنهم من ظل بالأحساء حتى توفي مثل دكتور رمضان عليه الرحمة.
تلك البلاد تساعدك على النجاح إذا توفرت لديك القدرات الذاتية وهي لوحدها لا تكفي ولكن دول الخليج توفر لك كل مقومات النجاح.
ولكن من تلك الرحلة الدخلت فيني ما مرقت وهي الشعور الداخلي أن طالب جامعة الخرطوم به مقدار غير قليل من العجرفة الجوفاء.
هل تغيروا أو غيرتهم الأيام ؟ الله أعلم.
#كمال_حامد 👓
