طلس المسميات وحقيقة الثورات

من تلقاء التراشق الإسفيري الثائر حول المسميات المطلقة جزافا، ولتجنب تجافي الركوس في مستنقع المسميات الجزافية، يضحي من الصحيح والمنطقي تسمية ما حدث بالسودان في 11 أبريل 2019م “انتفاضة”. وذلك استنادا إلى بيان قائد الجيش وقتها، الفريق أول عوض أبنعوف، الذي تلاه ونشره التلفزيون القومي ومفاده: “التحفظ على رأس النظام في مكان آمن”..

وهذا السلوك وفق ميثاق الإتحاد الأفريقي حول الديمقراطية والانتخابات وتغيير الأنظمة و”ميثاق أكرا” يعني”انقلابا”. لأن رئيس النظام الذي أودع ذلك المكان الآمن قسرا هو عمر البشير، الذي انتخب عام 2015م رئيسا لمدة خمس سنوات، وكان ذلك في انتخابات عامة شارك فيها عدد من المنافسين، وأشرف عليها مراقبون من الإتحاد الأفريقي. وكان رئيس فريق المراقبة هو الرئيس النيجيري الأسبق اوليسيقون أوباسانقو، فأكد نزاهة تلك الانتخابات في تقريره الذي رفعه واعتمده الإتحاد الأفريقي. كما شاركت جامعة الدول العربية، ومركز كارتر، وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية غير الحكومية في عمليات المراقبة.

فالثورات في علم ومصطلح السياسة وتغيير أنظمة الدول تعني “التغيير الشامل” وغالبا للأفضل، كالثورة الأمريكية عام 1765م والفرنسية 1789م والروسية 1917م والثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949م.
فكلها أقامت أنظمة حكم تختلف تماما عن تلك التي ثارت عليها، ويتفق غالب شعوب تلك الدول أنهم في أنظمة حكم أفضل.

ما حدث في السودان جاء نتيجة لشراكة في 11 أبريل 2019م فأضحى ثمرة تحالف سياسي واتفاق لاقتسام السلطة وإدارة الحكومة بين العسكر وقادة الناشطين الذين غُرر بهم، ممن خدعوا من أطراف دولية وإقليمية نافذة، تستهدي بتفاهمات مع سفارات ووكالات استخبارات دولية، تحركها أطماع إقليمية طاغية، وتبين أخيرا أنها استغلت بمكر قاصد، حماس الناشطين والسياسيين والثائرين، وحماسهم الدافق وبراءاتهم الساذجة، لأغراضها وأجندتها الجيواستراتيجية الطامعة.

فاليوم المواطن السوداني، الذي كان قبل ست سنوات يتطلع لدولة أفضل اقتصادا وحكما وحقوقا يأسى على ما فات، ويلقي على كل من يلقى من إخوته في الوطن عبارات الأسى والتعزي، ولات حين مندم ولا مناص.

فبدلا من إقامة نظام حكم أفضل من الذي افتقدوه عندما انتفضوا على نظام الإنقاذ، أصبح الكل في الوطن اليوم يبكي على المسكن الذي احتله غرباء الشتات والمرتزقة، كما يبكي على من قُتل واُفتضح واُستلب واُغتصب من أهله وجيرانه، أو من جرى تشريده ونفيه في الملاجئ البعيدة وساحات النزوح البائسة الفاضحة..

لكن عهد الطلس والتدليس قد انتهى.. فانفتحت البصائر، والأعين واسعة، بعد سكرة الحماس، لترى كل خيوط التآمر المنصوبة بكل ألوانها، ترى بوضوح من ينصبها ومن يمسك بها، ومن يتعلق بأحابيلها.
في الأمثال السودانية: “العترة بتصلح المشي” وهي ترجمة دارجة متداولة وتعني أن لكل جواد كبوة.. وإن لكل سيف نبوة..
وفي الأثر:
المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين..
“ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون” صدق الله العظيم.

دكتور حسن عيسى الطالب

Exit mobile version