سوداني: أنا لا أُوفي السعوديين حقهم من مواقفهم معي

كتب في تعليق بصفحتي المواطن السوداني Salim Saee Omran
أنا لا أُوفي السعوديين حقهم من مواقفهم معي..
كنتُ مرة مسجونًا في الرياض في دين عليّ، وقد استوفى مدته ولم أستطع التسديد، فحُبست في السجن إلى حين السداد.
وفي مساء أحد الأيام أُحضِر شخص إلى السجن، وكان رجلًا وقورًا تزينه لحية سابلة كثيفة، وعادةً ما يتعارف السجناء ويتبادلون الأخبار عمّا جاء بهم إلى السجن، وكان السجن مزدحمًا بجميع الأجناس..
ومن جميل الأقدار أنه عندما جاء العشاء أخذتُ حصتي ومعها لبن، وأحضرتها لذلك الوافد الجديد، وكان منعزلًا محتارًا في هذا الوضع الذي ألقاه في هذا العالم الغريب..
فطيّبت خاطره وقدمت له الطعام حتى زالت الكلفة، وتعشّى، ثم عرّجنا على الأنس والسوالف، فسألني عن سبب سجني، فأخبرته أني غارم مبلغ 8000 ريال..
عندها صمت وهو يخلل لحيته بأصابعه وينظر إليّ قائلًا: والله يا سودانيين نحن نحبكم..
ولم أُعر الأمر اهتمامًا، ثم أخبرني عن سبب سجنه، وكان أمرًا لا يستحق أن يُسجن من أجله صاحب هذه اللحية الغانمة، وكان كل من بالعنبر متعاطفًا معه..
كنتُ أؤذن للمساجين، وكان هذا الشيخ أول من يثبت عند الأذان، وفي الصباح الباكر أُخذ إلى هيئة الادعاء فبُرِّئ وأُطلق سراحه، فارتاح الجميع لخبر خروجه بريئًا..
ومضت الأيام رتيبة مملة، يطحنها اليأس والضجر، وذات يوم بينما كنتُ منكبًا في سجني أمضي الوقت في تداول الحديث مع بعض رفقائي، إذا بي أسمع اسمي يُنادى من قِبل الرقيب، وكان أسمر خلوقًا، وهو يقول: “سالم السوداني، زيارة”. فاستغربت ممن يمكن أن يزورني في هذا السجن المعزول السحيق..
وعندما خرجتُ، إذا بي وجهًا لوجه مع رجل كثيف اللحية تزين جبهته غُرّة الصلاة، يهجم عليّ بالسلام ويحمد الله على سلامتي، ويعاجلني قبل أن تألف عيني الضوء. أعرفتني وقفز إلى ذاكرتي كالحلم: أوه! أبو سعود التميمي.
فاجأني بقوله: “خذ حذاءك واخرج، أنا قد سددت عنك المبلغ يا مؤذننا المبروك”..
والله إن الفرحة لم تسعني، وكدتُ أُغشى عليّ من شدة الفرح، ولم أعرف كيف أشكره. لكنه لم ينتظر شكري ولا ثنائي، بل قال: “انتبه لنفسك وروح لعيالك”..
كأنني وُلدت من جديد، فرحًا بالشمس المشرقة، بالشوارع والبيوت من حولي، بالأطفال في مرحهم البريء، كنتُ أسير متلفتًا يمنة ويسرة أدعو لأبي سعود التميمي الذي بفضل الله وكرمه أخرجني من الحفرة الكئيبة، سجن حي الخليج بشرق الرياض..
والآن أسأل الله له في ظهر الغيب أن يُحسن إليه، ويجزيه على إحسانه من نعيم الجنة وقصورها وحورها وخمورها… آمين.

محمد الطاهر






