رأي ومقالات

المسكوت عنه أخبث ما في الدعاية السياسية

المسكوت عنه أخبث ما في الدعاية السياسية:
المسكوت عنه من أخبث أنواع الدعاية في الخطاب السياسي. المسكوت عنه قد يكون أسوأ من أحقر الأكاذيب المرسلة. ولنوضح الفكرة من السياسة السودانية.

هناك طائفة من الأحزاب والأفراد لا يكلون ولا يملون من الردحي عن سوء الكيزان وعيوب الجيش أو الدولة السودانية. وتاتي مآخذهم علي الأخوان والجيش والدولة في مزيج من الحقائق الصلبة، والحقائق التي أريد بها باطل بنزعها من السياق والمبالغات واحيانا الأكاذيب.
لكن نقطة هذا البوست ليست عن صحة أو دقة ما يقول هؤلاء. لنفترض أن كل ما يقولون عن الجيش والاخوان والدولة صحيح بنسبة مئة في المئة وهو نفس ما ظلوا يرددون لمدة ستة وثلاثين عاما بلا كلل ولا ملل ولا جديد حتي شب عن الطوق جيل من الناشطين نصيبه من المعرفة السياسية لا يتعدي كراهية الجيش والاخوان. فلو ضرب اليابان تسونامي، سال الناشط نفسه عن دور الكيزان، فرع اليابان، في المصيبة وهل دراسة جبريل إبراهيم في جامعات اليابان لها علاقة بالأمر. ولو أصابته ملاريا أول ما تبادر لذهنه هو هل أنثى الأنوفليس التي لسعته كوزة زي سفيرة روسيا أم مجرد مغفلة نافعة زيي كدة.

بعد أن نفترض صحة ردحة الكائن السطحي الذي سقفه الفكري والاخلاقي أن الكيزان والجيش كعبين، دعنا نسال: طيب لو إتفقنا معاك ماذا بعد؟ أو سوو وهات؟
الكائن الرداح لا يصرح بما يترتب علي أن الكيزان/الجيش كعبين، بل يترك أهم أهداف ردحته في بند المسكوت عنه لانه هذا أكثر فعالية من التصريح. ولكن لاحظ الفيل المسكوت عنه داخل الردحة . المسكوت عنه هنا هو أنه بما أن الجيش والكيزان كعبين، إذن الحلول البديلة التي أقدمها أنا الكائن الرداح هي سليمة وشريفة ووطنية حتي لو كان هذا الحل هو تحالف مع الجنجويد أو عمالة للاجنبي أو تبني الخط السياسي لقحت الذي دمر البلاد وشرد العباد.
ولكن هذا تدليس، فحتي لو صحت المقدمة عن فساد الجيش/الدولة/الكيزان، فان أي حل يجب أن يثبت جدارته بعد طرحه علنا وبشفافية وإخضاعه لاختبار الراي العام. فساد الجيش/الدولة/الكيزان في حد ذاته لا يثبت نجاعة أي حل فمن الممكن أن يكون البديل أسوأ. وقد دفع السودان غاليا حينما اكتفت الطبقة السياسية بهجاء نظام البشير وصار معيار المعرفة والوطنية والاخلاق هو شتم النظام ولا جدارة أكثر من ذلك مطلوبة كانما كراهية البشير في حد ذاتها تثبت ملائكية ومقدرات الآخرين.

وفي طفولة العقل السياسي السوداني فات عليه أن نظام البشير سيئ ولكن من الممكن أن يكون بعض خصومه بنفس السوء أو أكثر بمقياس الأمانة أو القدرات أو كلاهما. سوء الجيش/الدولة/الكيزان لا يعني أتوماتيكيا أن حلول قحت أو الجنجويد أو الغزاة أو اليسار أو اليمين أو أي جهة أخري علي حق.

إن شعب قاوم نظام البشير ثلاثين عاما وقدم الشهداء أرطال لا يحتاج لكل هذه السيول من شتم الكيزان لانه يعرف عيوب الكيزان واكثر. فلماذا كل هذا الترداد لما هو معلوم؟ الوطن يحتاج لبديل عقلاني، عالم، أمين، شريف، وطني ، غير مرتهن لجانب ولا لميليشا إجرامية. ولكن الترديد مهم لان الكنتة في المسكوت عنه.

من واجب كل جماعة إثبات سلامة طرحها البديل بميزاته وليس عن طريق خصومته مع كيزان أو جيش. وقد دفع السودان ثمنا غاليا لهذه المشروعية السلبية التي ملخصها مغالطة أنه بما أن الجيش/الكيزان كعبين وانا ضدهما إذن أنا الحل وأنا علي الحق. لا يا عزوز. بغض النظر عن سوء الجيش أو الكيزان عليك أن تثبت جدارتك.

أخبث ما في الخطاب السياسي هو المسكوت عنه في الردح عن فساد الجيش/الدولة/الكيزان وهذا المسكوت عنه هو أن الحل هو الحلف الجنجويدي من جند وساسة سودانيين واجانب داعمين.
أخيرا لماذا لا يفصحون عن المسكوت عنه؟ الإجابة ببساطة هو أن الشينة منكورة.

معتصم اقرع