(فكر على قدر طموحك ولا تفكر على قدر قروشك)

حوار مع شاب في قارعة الطريق
(فكر على قدر طموحك و لا تفكر على قدر قروشك)
اثناء تجوالي في أحد شوارع محلية كرري إسترعى إنتباهي شاب يبدو أنه في نهاية العشرينات يقف أمام (بترينة) لبيع الحلويات (الباسطة و أخواتها) كان يدخن بإفراط و يبدو عليه الهم الشديد فتوقفت أمامه و بادرته بالسلام فرد علي التحية قائلاً و عليكم السلام يا أبوي فقلت في نفسي إن رده المهذب هذا يمثل مدخلاً جيداً للحوار ..
ثم بادرته بالقول : أراك تدخن بشراهة و تبدو على وجهك الهموم ، ألا تخشى على نفسك و صحتك ثم ما هي المشكلة التي تواجهك و لم تجد لها حلاً ؟؟
و أضفت أنت ما تزال شاباً و أهلك و البلد ينتظرون منك و من الشباب أمثالك دوراً كبيراً لبناء المستقبل فرد علي بجدية :
البلد دي ما فيها مستقبل لأن جميع السياسيين إستغلوا الشباب دون أن يقدموا لهم ما يعبنهم على أداء دورهم و لم يوفروا لهم فرص العمل و لا الحياه الكريمة ، و واصل حديثه قائلاً :
كشباب تابعنا الإسلاميين فوجدناهم تجار دين و أهملونا و قد شهد عهدهم في الحكم فساد كتير ، و تابعنا الأحزاب التي تدعي الوطنية و الديمقراطية فوجدناهم بلا وطنية بل و عملاء ، و تابعنا القحاتة فأوصلونا إلى ما نعيشه الآن من حرب و دمار و ضياع !!
و مضى قائلاً (و الآن نحن ما عارفين البلد حاكمنها العساكر و لا المدنيين) !!
ثم ختم قائلاً عن أي مستقبل تتحدث يا أبوي فصمت و لم أعلق ، و مصى الشاب الذي تبين لي من طريقة حديثه أنه خريج جامعي و واعي سياسياً واصفاً حاله (يا أبوي أنا على أعتاب الثلاثين و حتى الآن لم أتزوج و لا أملك منزل و لدي كثير من الطموحات لا أستطيع تحقيقها و أنا أكابد من أجل توفير لقمة العيش لي و لأسرتي التي تعتمد خاصة في ظل ظروف الحرب) !!
إلى هنا إنتهى حديث الشاب و بدأت مداخلتي و تعليقي على حديثه في شكل نقاط :
أولاً : يا إبني مهما كان الحال و الظروف التي تعيشها فهذا ليس مبرراً لتدمير صحتك بالتدخين (خلال المدة التي أمضيتها معه دخن ثلاثة سيجارات) !!
ثانياً : يا إبني أنتم كشباب يقع على عاتقكم التفكير الجاد و العمل باجتهاد من أجل المستقبل و هذا يتطلب منكم : الصبر و المثابرة ، التطوير المستمر لقدراتكم العلمية و المعرفية لمواكبة ما يحدث في بقية بلدان العالم .
ثالثاً : لا تعتمدوا على الحكومات و لا تنتظروها بل عليكم أن تبادروا من خلال تنظيم أنفسكم في مجموعات عمل أو منظمات حسب تخصصاتكم لرسم طموحاتكم و تصوراتكم للسودان على المدى المتوسط و البعيد و العمل على تنفيذها كل حسب قدرته ، و عندما تبادرون يا إبني فتأكد بأن الحكومة و السياسيين هم من سيلاحقونكم بدلاً من ملاحقتكم لهم ..
رابعاً : نحن يا إبني نعيش في بلد رغم ثرائه بموارد طبيعية هائلة إلا أنه ما يزال فقيراً جداً و ضعيفاً في بنيانه التحتية الأمر يلقي على الجميع مسئولية كبيرة في حسن إدارة و توظيف هذه الموارد من أجل تجديد البنى التحتية و جعلها مواكبة لمتطلبات النهضة مع عدم التغول على حقوق الأجيال اللاحقة ..
خامساً : يا إبني السودان و بسبب ثرواته و موارده الطبيعية الهائلة ، و موارده البشرية المتميزة و حضارته ضاربة الجذور ظل هدفاً مستمراً للقوى الإستعمارية لذلك لن يدعوه ينهض إلا إذا توفرت إرادة قوية لأهله و حكامه ، و ما الحرب التي نعيش منذ أكثر من ثمانية و عشرين شهراً إلا حلقة من حلقات التآمر و الإستهداف المستمر لبلادنا ..
سادساً : يا إبني لن تنهض بلادنا و لن نخرج من الحالة التي نعيشها الآن إلا بعد أن تكون العلاقة بيننا و بين الله عامرة كأفراد و مجتمع و بعد أن نغير ما بنفوسنا ..
ثم ختمت حديثي معه بنصائح شخصية لكيفية تطوير عمله في بيع الحلويات و قلت له فكر و خطط لتطوير عملك لتنافس (حلويات الطيب سيد مكي ، و حلويات سلا لصاحبها عبد الرحمن السلاوي رحمه الله ، حلويات الشام و العبد و الباشا و غيرها) و أهديته القاعدة الذهبية التي غالباً ما أختم بها أحاديثي مع الشاب :
{ فكر على قدر طموحك و لا تفكر على قدر قروشك } ..
و أنا أودعه قلت له المرة القادمة سأتحاور معك في السياسة ، فضحك و قال لي (تاني ما داير سياسة بزنيس بس) ..
هذا الحوار لم يكن من الخيال بل كان من الواقع و قد شهد بعض المارة و زبائن المحل جزءاً منه ، أهديه للمهتمين و العاملين في مجال الشباب ..
سوار
28 أغسطس 2025






