رأي ومقالات

ي ذكري معركة كرري الفاشر تحدث عن نساء كالأسود الضارية

في ذكري معركة كرري الفاشر تحدث عن نساء كالأسود الضارية:
البرجوازية السودانية وازدواجية المقاومة: من تمجيد كرري إلى التخلي عن الفاشر
قبل ١٢٧ عامًا بالضبط، في صباح الثاني من سبتمبر ١٨٩٨ قاتل أكثر ٣٥ ألف جندي سوداني بشجاعة ضد الجيش البريطاني الغازي، وشارك في المعركة جندي ومراسل إسمه ونستون تشرشل، البالغ من العمر ٢٣ عامًا حينئذ.
خسر الجنود السودانيون الحرب أمام جيش متفوق، محترف، ومنضبط ، ومجهز ببنادق حديثة ورشاشات ومدفعية. لاحقًا، أشاد الكُتّاب البريطانيون وأعجبوا بشجاعة الشعب السوداني.
لا أعرف ما إذا كانت البرجوازية السودانية آنذاك قد قررت الوقوف إلى جانب الجيش السوداني أم أنها تساءلت عما إذا كان من النبل أن تكون محايدة، لأن الجيش السوداني كان مُسيّسًا للغاية، وكان جيش أنصار، وليس جيشًا وطنيًا، ولديه سجل سيئ للغاية في مجال حقوق الإنسان كما وضح صاحب رواية شوق الدرويش وقبله المؤرخون المحترفون. سجل أسوأ بكثير من سجل الجيش السوداني الحالي والجيش في عهد البشير والإخوان.
لكن ما هو واضح تمامًا هو أن البرجوازية السودانية تبنت لاحقًا معركة كرري، وكتبت عنها قصائد بليغة، ووضعتها في مكان القلب للأساطير الوطنية. هذا يعني أن البرجوازية السودانية قررت لاحقًا أنه عندما يقاتل جيش سوداني غزاة، فإن الأولوية القصوى هي الاحتفاء به كجيش يحمي الأرض من الأجانب الذين ليس لهم الحق في التدخل لتحديد كيفية إدارة الشعب السوداني لشؤونه السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية وان حق الدراويش المتعصبين في المشاركة السياسية قضية لا تخص الأجنبي.
لم تكن دولة ذلك الجيش – دولة المهدية – دولةً ديمقراطيةً تحترم حقوق الإنسان بالمعنى الحديث، بل كانت محكومة بأفكار ثيوقراطية وسجلها في الحكم والإدارة كان مليئًا بالمثالب. ومع ذلك، اختارت البرجوازية السودانية لاحقًا أن تتجاوز كل ذلك وترفع معركة كرري إلى مرتبة الأسطورة الوطنية. لقد قررت أن قضية السيادة في مواجهة المحتل الأجنبي، وحق الشعب في تقرير مصيره – حتى وإن كان عبر أنظمة قد لا نتفق معها – هي قضية مقدسة، لا يحق للأجنبي انتزاعها.
اليوم، وبعد ١٢٧ عامًا بالضبط، تواجه الفاشر معركتها المصيرية. لكن هذه المرة، الغزاة ليسوا بريطانيين جاءوا من وراء البحار، بل هم جنجويد يسحقون المدينة ، يقتلون الجوعى، ويقصفون المستشفيات، ويرتكبون فظائع من تطهير عرقي إلي إبادة جماعية . والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين تقف برجوازية اليوم مما يحدث؟
يبدو الآن أن قطاعات كبيرة من البرجوازية السودانية قد قررت لصالح مشروعية الحياد ضد الغزو الأجنبي بذريعة أن الجيش مُسيّس وله تاريخ سيء في مجال حقوق الإنسان. وانه يجوز رمي الجيش بالمنجنيق في الوقت الذي يتصدى فيه لغزو أجنبي.
ولكن هذا التناقض ليس بالغريب علي البرجوازية، لأن هذه البرجوازية نفسها تحتفي بمعركة كرري، وفي الواقع، تُشيد إحدى أكثر الأغاني الوطنية تبجيلًا بالجيش السوداني الذي قاتل الغزاة، على الرغم من أنه كان أبعد بكثير عن الديمقراطية وحقوق الإنسان من الجيش السوداني الحالي.
لقد شفشفت البرجوازية السودانية لاحقًا دماء دراويش كرري، وغزلت حولهم أجمل القصائد واتخذتهم أسطورة تأسيسية للوطن.
كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية
خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية
ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية
وعلما بان الجيش الإنجليزي الغازي لم يكن بكسر من همجية الجنجويد وعنفهم. وعلما بان الجنجويد ردة حضارية لزمن الإقطاع والقرون الوسطي بينما مثل الإنجليز مرحلة حضارية وعلمية وتكنولوجية متقدمة وأعلي كانت لها حسنات لا يمكن إنكارها ولكن علي المدي الطويل خلق الغزاة مشاكل نعاني منها حتي الآن.
ولكن الجنجويد شر محض ينحدر علينا من صفحات ابن خلدون وعنف البدو من ظلام التاريخ ولا يعد إلا بالتحلل والتفكك. بينما جاء مع الإنجليز السكة حديد والمستشفيات والجامعات ومشروع الجزيرة والمدارس بل وسنوا القوانين ضد خفاض البنات إلي أن قرر الأستاذ محمود محمد طه أنهم لا يملكون الحق في التدخل في قضايا دينية وثقافية واجتماعية تخص الشعب السوداني فنظم مظاهرة إحتجاج ضد منع الإنجليز للفجم ( FGM ) بينما كان لإمام الأنصار الصادق كتب ومواقف مشهودة ضد الفجم..
عموما سوف يخبرنا التاريخ ما إذا كانت البرجوازية السودانية ستشفشف الدماء لاحقا وتتغني بالثناء للنساء والرجال السودانيين الذين قاوموا الغزاة في أعوام 2023 و2024 و٢٠٢٥ كما شفشفت دماء دراويش كرري.

معتصم اقرع