رأي ومقالات

(السفير محي الدين سالم)

منذ أن شاع خبر تعيين السفير محي الدين سالم وزيراً للخارجية انشغلت وسائط الإعلام ومنصات التواصل بتداول الخبر غير أن ما لفت انتباهي هو أن قلة من الآراء لم تنصف الرجل فقد سارت جميعها في اتجاه واحد إما بتوصيفه على نحو مغلوط أو بإلصاق الانتماءات به والحقيقة أن القليل جداً هم من يعرفون محي الدين سالم معرفة حقيقية و أعتقد أن الجالية السودانية في الكويت هي الأكثر إدراكاً لسيرته ومعدنه الأصيل فقد عاش بيننا سنوات كشفت عن شخصية استثنائية و متفردة جمعت بين الدبلوماسي المحترف والإنسان المثقف المتواضع القريب جداً من الناس.

مُحي، لم يكن سفيراً في الكويت بالمعنى الرسمي المألوف، بل كان أخاً وصديقاً للجميع حتى إننا لم نكن نخاطبه بـ(سعادة السفير) بل نكتفي بمناداته بكل بساطة ( يا مُحي) كما ذكرت السكرتيرة السابقة لرابطة المرأة بالكويت في منشور لها ، فقد كان مكتبه ومنزله مفتوحين على الدوام يشارك السودانيين أفراحهم وأتراحهم ويقف بينهم كواحد منهم لا كمسؤول عنهم وقد كان هذا التواصل قائماً حتى بعد مغادرته الكويت بسنوات إذ ظل حاضراً في مجموعات الجالية، مشاركاً وفاعلاً و متفقداً الجميع.

وقد شهدت فترة عمله بالكويت تحولاً ملحوظاً في مستوى العلاقات بين الشعبين إذ لم يقتصر حضوره على العمل الدبلوماسي التقليدي بل دعم بقوة وفعالية الروابط والكيانات السودانية فازدهرت في عهده الدبلوماسية الشعبية و أحبه الكويتيون قبل أن يحبه السودانيون المقيمون بينهم ورأوا فيه نموذجاً راقياً للسفير الناجح المثقف الراعي و الخادم لشعبه بالخارج .
اما على المستوى المهني فقد كان محي الدين سالم دبلوماسياً متمكناً و متحدثاً بارعاً يجعلك تشعر بانك تجلس الى المحجوب أو منصور خالد فثقافته واسعة جداً و خبرته قوية و راسخة في ملفات القرن الإفريقي والخليج العربي وحضوره الطاغي مقرون بلغة رفيعة جداً وكاريزما مؤثرة للحد البعيد ولعل أكثر ما يميزه أنه لم يحصر نشاطه في قاعات الدبلوماسية وحدها بل كان يؤمن تماماً بدور الثقافة والفنون في تعزيز صورة الوطن وتوحيد وجدانه فاصدر قراراً يقضي بفتح أبواب قاعة السفارة أمام الشعراء والموسيقيين والمبدعين لإيمانه بأن الفن هو أحد أجنحة القوة الناعمة و كذلك لم يحصر نشاطه الإجتماعي مع نخبة الجالية فقط بل كان يعشق الجلوس بين العامة و يحرص في كل مناسبة صغيرة او كبيرة أن يدعوا الجميع.

أما الجانب الإنساني فهو حكاية أخرى من سيرته لن نتحدث عنه حتى لا نقصم ظهره و يكفي أن نشير إلى إجماع الجالية على أن فترة عمله بالكويت كانت نقية خالية من الشبهات ومن الفساد المالي أو الإداري أو الأخلاقي و رغم أن الرجل صاحب نكتة حاضرة وسخرية جميلة إلا أنه لم يتساهل يوماً مع تجاوزات العاملين بالسفارة فالجمع بين الحزم والإنسانية كان من سمات شخصيته المتفردة.

إن ما عرفناه عن محي الدين سالم يجعلنا على يقين تام بأن وزارة الخارجية السودانية مقبلة على مرحلة مختلفة بوجوده وإذا كان ثمة أمل يرجى من حكومة الأمل هذه فإن أحد منابع ذلك الأمل سيكون بلا شك هذا ( المُحي) الذي ننتظر أن يحيي الدبلوماسية السودانية ويعيد إليها بريقها ومكانتها المستحقة.
نزار العقيلي