عند مدخل ثمانينات القرن المنصرم وَلَجْنا إلى الجامعة جُدُدا .
تضج الجامعة على تلك العهود بالنشاط الجامع بين كل ضروب الحياة ،،وخاصة السياسة التي لا تغفو ،كانّها المهمة التي من أجلها تصبح طالباً جامعياً.
، وكان مكتب الاتحاد صباحاً أو داره مساءً مرجلاً يغلي بالنشاط .
صباحاً كل ما يتعلق بالشؤون الأكاديمية والإدارية،ومساءً النشاط الثقافي والسياسي والاجتماعي ..
في مكتب الاتحاد هناك طالبٌ يجلس لساعات طويلة خلف طاولة ، يزدحم حوله الطلاب وتتزاحم عنده الملفات ،وتراه في كل الأحوال هادئاً، يحتمل كل ذلك بصدر رحب وبخلق فسيح لقضاء حاجات الطلاب وتقديم العون لكل ذي حاجة .ويختلف في المساء إلى المكتبة ليلحق بما فات من المحاضرات .
هذا الطالب وضئ الوجه ،تلمع خلف نظارته عينان تنضحان ذكاءً ونباهة ، حسن المظهر ،أنيق ،جذاب تلتفت إليه الأعين حيث كان ،نافذ الوقع ،قوي الحضور .
ذلكم غلام الدين عثمان آدم ،طالب الاقتصاد في ذلك الزمان بجامعة أم درمان الإسلامية .. ونائب الأمين العام لاتحاد الطلاب ،.
تخرج غلام ،والتحق ببنك فيصل الإسلامي ،حيث صُقلت عنده ما اكتسب من علوم ومهارات،،وكان قد اختاره العاملون بالبنك رئيساً لنقابتهم ،وبما تشرَّب من قيم البذل للآخرين ،والعطاء دون انتظار شكر أو أجر قاد بهم إضراباً شهيراً استرد به حقوقهم .
اعتلى نظام الإنقاذ السلطة ،فصعد غلام الدين ذُرىً أُخرى في آفاق العطاء ،فاعتلى مواقع الوزارة والولاية .
كان وزيراً للمالية بولاية الخرطوم ،ثم المالية ثانياً في ولاية نهر النيل ، ومعلوم ما يواجه مسؤول المال في بلد مشدودة أبداً على حبال القلة وقصر اليد ،(وقولة مافي )على رأي صلاح أحمد إبراهيم ،وعلى من يتولى تدبير مالها أن يتحلى بصبر أيوب ، وأخلاق الانبياء ،وعزم المصلحين .
ثم مضى غلام والياً لنهر النيل ،تلتها ولاية شمال كردفان . وتولى حيناً من الزمن رئاسة مجلس أمناء جامعة أم درمان الإسلامية راداً بعض جميلها .
وحيث ما حلَّ غلام الدين حلت البركات ،واقتربت السلطة من النّاس ،فوجدوا من يجلس على قمتها يزاحم في صفوفهم دفعاً لمقدراتهم نحو حياة أفضل .
ما بدلت المناصب من سجاياه ،ولا حولت المواقع من جِبلة التواضع والبساطة وقوة الجذب والقبول ،
ذلك ،مع قوة السلطة في نزع مُضَغ الخير وإبدالها بنزع الشيطان .
فجر أمس،بالقاهرة غادر غلام الدين عثمان الفانية،وحلقت روحه بإذن ربها في ملكوت الرحمة ،مخلفاً ذكرى لن يزيدها طول الزمن إلا تجدداً،ذكرى رجل مرَّ وهذا الأثر ،نفعاً للناس بطيب مخالقة .. ملأ الساحات بالمكرمات ، وترك في القلوب لوعات المحبين،ورَّث الوفاء ،وزرع فسائل الإخاء ،فجرت بذكراه نسائم معطرة بمعان هي زاد السائرين -ما اهتدوا – ،في درب لن تخطؤه قدم ..
رحم الله غلاماً وجعل الفراديس العلا موطن الروح ومتعلق الأنفس ..
ورزقه رفقة الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين .
إنّا لله وإنّا إليه راجعون،والعزاء لأهله وبنيه وعارفي فضله .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
المسلمي البشير الكباشي
