ثمار التدخل الأجنبي في أزمة السودان من نيفاشا إلى بارا

ثمار التدخل الأجنبي في أزمة السودان من نيفاشا إلى بارا:
من الواضح أن التدخل الخارجي في الشؤون السودانية، تحت ذريعة احتواء الأزمات أدي بالفعل إلي تفاقمها. فعلي سبيل المثال تدخل الخارج تدخلا ثقيلا في عملية نيفاشا وفرض “حلوله” فماذا كانت النتيجة؟ تقسيم السودان والمزيد من الحروب وشلالات الدماء في الدولتين وتفاقم الفقر.
ثم حث الخارج المعارضة علي صلح مع نظام البشير تحت عباءة ما عرف بالهبوط الناعم لكن إرادة الشارع السوداني، بقيادة شبابه، فاجأت الجميع وأطاحت بالنظام.
ثم ضاعف الخارج من تدخله في إدارة تفاصيل الفترة الإنتقالية في أهم ملفاتها من الاقتصاد إلي العلاقات الخارجية إلي الجماعات والشخصيات المسموح لها بالمشاركة وتلك التي يجب عزلها في الكرنتينة.
وبلغ الإنهيار الوطني والمؤسسي درجة إهدار السيادة الوطنية بوجود ميزانية خاصة يدفعها الخارج تصرف منها مرتبات بعض من كبار رجال الدولة. ومن المعروف أن من يدفع أجرة الزمار يفرض الرقصة واجبة الاداء.
فماذا كانت النتيجة من كل هذه الهيمنة الخارجية: فشل اقتصادي غير مسبوق وأداء إقتصادي هو الأسوأ في تاريخ السودان الحديث وتفكك سياسي وزيادة حدة الإستقطاب.
هكذا برزت على السطح طبقة سياسية من شخصيات لا تسندها قاعدة شعبية أو حزب أو نقابة أو إنجاز وطني، أو كسب فكري أو قبيلة أو طائفة أو جماعة مسلحة – بل يُسندها رضا الأجنبي فقط. أصبح “عنده علاقات كويسة بالخارج” هو المعيار الأول للترقي السياسي، واستسلمت بعض الأحزاب لهذه المعادلة التعيسة – وهذه طبقة الخارج مبسوط مني عشان بريد فني والنفوذ ده هدية ما علاقة شخصية.
إن دور الخارج في إنتاج فشل الفترة الانتقالية التي انتهت بحرب لا يمكن التقليل من شأنه وإن كانت المسؤولية في الآخر تقع علي عاتق الجماعة التي حكمت وكان بإمكانها التعاون مع الخارج ايجابيا في حدود سيادتها والمحافظة علي استقلال قرارها الوطني.
كل هذا التاريخ الطويل من الفشل لا يمكن أن يكون صدفة. وراء هذا الفشل يقف عاملان:
السبب الأول هو أن الخارج يعلي مصالحه الإستراتيجية علي مصلحة الشعب السودان في كل صغيرة وكبيرة. فهو ليس مجرد فاعل خير ولا وسيط محايد.
والسبب الثاني هو أن ممثلي هذا الخارج عادة لا يدركون شذرة من تناقضات واقع سوداني شديد التعقيد ولكنهم مسلحون بالغرور المدعوم بالمال ومؤمنون بوصايتهم على شعب قاصر – وهنا نري تعميم مخل إذ ربما بدأ قصور فكري ووطني علي وكلائهم المحليين ولكن يفوت عليهم أن أفضل من في الشعب يعاف التهافت على محافل الأجنبي وإن تعامل معه تعامل معه بندية غير مقبولة يعتبرها الخارج وقاحة.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل تحمل هذا الجولة الجديدة من التدخل الأجنبي بصيص أمل أفضل لشعبنا، أم أنها ستسير في نفس الدرب البائس الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار؟ علما بان النصوص البراقة كثيرا ما تكون غطاء لأشياء أخري لذلك فمن المهم الذهاب إلي ما هو بنيوي يقبع وراء النص لتفادي السذاجة الأمينة وتعرية التظاهر بالسذاجة لمصلحة ما.
معتصم اقرع






