عثمان ميرغني

ضبط الإيقاع


[JUSTIFY]
ضبط الإيقاع

من الأوهام التي لبسناها دون أن ندري.. حكاية أن السودانيين لا يحترمون الموعد والوقت.. إذا واعدك السوداني في الساعة الواحدة.. فهو موعد يقع في المسافة الفاصلة بين الثالثة والسادسة..

لو أردت أن تعرف كيف يحترم السودانيون الوقت والموعد فاذهب إلى المطار.. هل يتخلف أحد عن ميعاد الطائرة؟ أتعرفون لماذا؟.. لأن الطائرة هي التي احترمت الموعد فاحترم السودانيون موعدهم معها.. (طبعاً ليس المقصود طائرة سودانير)..

لكن لأن الشائع في حياتنا الخاصة والعامة أن لا أحد يأتي في الموعد.. وأن المرء يكبر بقدر قدرته على أن يكون خارج النص.. نص القانون واللوائح.. والمواعيد..

فإن الذي يأتي متأخراً بعد الموعد هو الشخصية الأهم.. ومن يلتزم بالموعد فعادة هو الشخص العادي.. وأقل من العادي من يأتي قبل الموعد..

وبصراحة الوقت ليس هو مشكلتنا.. مشكلتنا في (الإيقاع)!!

ما معنى أن تأتي في الوقت المحدد ثم لا تفعل شيئاً؟.. ما معنى أن يلتزم الجميع بموعد بداية الاجتماع.. ثم يستمر الاجتماع لخمس ساعات وينتهي بنفس نهاية أغنية (قلت أرحل) رائعة التجاني سعيد التي غناها الفنان محمد وردي.. وتنتهي بعبارة (وقبضت الريح)؟!!

نحن نعاني من بطء (الإيقاع) نمشي في الشارع بخطوات مثقلة.. ونتكلم بمنتهى الاسترخاء الزمني.. لا نمطّ الكلام فحسب بل نفرط في التفاصيل.. (دقيت ليهو الباب.. فتح الباب.. حق الله بق الله.. سلم علي.. قال لي يا زول اتفضل.. قلت ليهو مستعجل.. قال لي يا اخي اشرب ليك كباية شاي.. قلت ليهو الشاي ما بشربوا لكن مرة تانية بشرب معاك القهوة.. سألتوا قلت ليهو محمد أحمد جاك هنا؟.. قال لي يومين ما شفتو.. قلت ليهو يا زول ودعتك الله..)

القيمة الخبرية والمعلوماتية شبه منعدمة لكن الوقت ضاع مرتين.. مرة في الحدث الأصلي.. ومرة ثانية في رواية الحدث..

من باب الإصلاح الاجتماعي نحن في حاجة لخطة (رفع الإيقاع) وهي سهلة.. نبدأ بالإعلام المسموع والمشاهد أولاً.. نرفع إيقاع الحديث في الإعلام.. بالله اسمعوا إذاعاتنا وقنواتنا.. هل رأيتم كيف يتخاطب المذيع مع المتصلين عبر الهاتف؟.. هل رأيتم حجم (التحايا الفارغة).. ثم البرامج الحوارية (إلا القبيل) كيف يمط المذيع السؤال جتى ينسى الضيف الموضوع؟.. وهل رأيتم الضيوف كيف يبدأون بمقدمة كأنما هي محاضرة في مدرج الجامعة؟..

بل في منابر المساجد.. هل رأيتم حجم الـ(لا) هدف من خطبة الجمعة؟.. يكرر الخطباء قصص الإسلام في فجر سيرته الأولى التي يحفظها عن ظهر قلب كل من تخطى مرحلة الأساس..

المشكلة في الإيقاع.. غيروا (عقيدتنا الإعلامية) وألزموا مقدمي البرامج والمذيعين بالحديث السريع المباشر.. ليعلموا بدورهم المستمعين والمشاهدين السرعة واقتناص الزمن..

ومن هنا نبدأ خطى الإصلاح الاجتماعي.!!

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]