السودان واستراتيجية ترمب للأمن القومي

خارطة الطريق التي نشرتها إدارة الرئيس ترمب بعنوان خطة الأمن الإستراتيجي National Security Strategy والتي تغطي الفترة من ديسمبر 2025م وحتى نهاية الولاية الرئاسية في ديسمبر 2028م
اشتملت على موجهات السياسة الخارجية، وخاصة في مجال الأمن القومي في عموم قارة أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي، والتي يطلق عليها جيواستراتيجيا نصف الكرة الغربي The Western Hemisphere ، حيث أكدت السير على مبدأ الرئيس مونرو الذي صدر في العقد الثالث من القرن التاسع عشر، والذي كان بقصد حماية الثورة الأمريكية بعد إعلان الجمهورية، والتي كانت بمثابة مهدد وجودي لكل الأنظمة الملكية التقليدية الوراثية الأوروبية، فتقرر عدم السماح ومقاومة أي وجود استعماري أوروبي هناك، وبالمقابل عدم التدخل الأمريكي في أوروبا.
وفيما يتعلق بمنطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، أفردت الاستراتيجية لهما آخر فقرتين وبالتوالي.
فعبرت عن السرور على انعتاق أمريكا من قيود الطاقة والنفط التي كانت آسرة لسياستها الخارجية والدفاعية في الشرق الأوسط، فضلا عن إنهاء المهددات الوجودية التي كانت تستهدف أمن إسرائيل. فأوضحت أن مستقبل العلاقات الثنائية مع دول المنطقة سيكون عبر التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي AI ومكافحة التطرف والإرهاب. وترمي الاستراتيجية لعدم إقحام أمريكا في المشاكل الداخلية لتلك الدول، وعدم توجيه أنظمتها التقليدية الحاكمة بنيّة تصدير الديمقراطية. فأكدت أن المطلوب أمريكيا من الآن فصاعدا هو تعظيم الشراكات التجارية والاقتصادية، والتعاون سياسيا عبر إبرام الإتفاقات الإبراهيمية، وتسريع انخراط كافة دول المنطقة والدول الإسلامية الأخرى بأعجل ما يتيسر.
وفيما يتعلق بالأمن الأقليمي في الشرق الأوسط، أوضحت الاستراتيجية أن مهددات إيران لإسرائيل أزيلت تماما، ولكن يتعين خلال الفترة القادمة التأكيد على حرية الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر.
وفيما يتعلق بأفريقيا أوضحت الاستراتيجية أن سياسة تصدير الديمقراطية، وتقديم الإعانات والإغاثات التي انتهجتها الإدارات الماضية كانت فاشلة وأضرت بأمريكا، والمطلوب هو التحول إلى إبرام شراكات ثنائية مع دول منتقاة في القارة تستند على الشراكات الاستثمارية، وخاصة في قطاعات النفط والغاز والمعادن النادرة، كما يتعين التعاون مع بعض الدول في مكافحة الحركات الإرهابية والمتطرفة في القارة.
وأوردت الاستراتيجية إسمَيّ كل من الكنغو الديمقراطية والسودان باعتبارهما من الدول الأفريقية التي تحظى باهتمام الرئيس ترمب وبضرورة حل النزاعات فيهما.
ومن تلقاء هذا الطرح الذي حدد مسارات وإهتمام السياسة الامريكية في المنطقة ومرامي سياستها الخارجية خلال فترة الثلاث سنوات القادمة، وفيما يتعلق بالسودان تحديدا فيتعين إجراء حوار ثنائي يهدف لفتح ملف الاستثمار في مجال النفط والغاز والتعدين، ومن تلقاء تعظيم المصالح والشراكات عبر استغلال الموارد الوطنية الثرة مع أمريكا، وباعتبار ذلك أقصر الطرق لإقناع الرئيس ترمب بأهمية السودان، الذي أعلن أنه لا يعلم كثيرا عنه إبان لقائه مع ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان. هذا هو الطريق الموثوق لضمان علاقات ثنائية مثمرة ومستقرة مع أمريكا ترمب، التي تستند علاقاتها الخارجية وتبنى على المصالح المشتركة، ومن تلقاء شعار “أمريكا أولا” وكذلك مبدأ ترمب بعدم تقديم الإغاثات والمعونات والوجبات المجانية No Free Lunch.
تعتبر الاستراتيجية تغييرا محوريا، وبمثابة فصل متفرد ومحوري في مسار وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 1823م وتغييرا لافتا للسياسة الخارجية منذ سبتمبر 2001م والتي كانت وقتها تستند على قناعات وضرورة تغيير العقول والأفكار، وعبر فرض وتلقين الديمقراطية، واشتراط إرساء الحريات السياسية، وتغيير الأنظمة الدكتاتورية بنظر تلكم الإدارات، ولو بالقوة القسرية، ورهن أي تطور للعلاقات الثنائية مع أمريكا وفق ذلك المنظور القيّمي الاستعلائي.
من تلقاء إعلاء الشراكات الاقتصادية والاستثمارات أكدت الاستراتيجية الترمبية ضرورة التعامل مع دول واثقة ومستقرة أمنيا وسياسيا. والمعروف عن الرئيس ترمب اعتداده وتقديره لقادة الدول والأنظمة المستقرة والقيادات المبادرة والواثقة. وقد سخر من خطل الأيدلوجيا الليبرالية، ودعاوى الإنحلال القِيّمي، والنزوع لتسفيه القِيّم الدينية التي تحتقرها الأيدلوجيا الليبرالية.
يتعين على وزارة الخارجية التعامل مع الاستراتيجية المعلنة باعتبارها خارطة الطريق المعتمدة أمريكيا، ومفتاح ولوج أبواب الرئاسة الترمبية. ومن تلقاء ذلكم فيمكن أن يبنى السلام المستدام ودعمه في السودان، وبتباشير الانتصارات المتحققة في مسارح معركة الكرامة، وجنيّ ثمارها عبر بوابة التبادل الاقتصادي والاستثماري، والشراكات الضامنة للمصالح الثنائية المشتركة، مع دول العالم عموما ومع إدارة الرئيس ترمب خصوصا.
دكتور حسن عيسى الطالب






