بعد جدل الشرعية :ملتقى جـوبا…تضـارب المصـالح والمكاسب
الخطوة التي أقدمت عليها القوى المعارضه بإثارتها لموضوع «شرعية» الحكومة بإعتبار أن ولايتها تنتهي عند التاسع من يوليو المنصرم، يبدو انها سيكون لها ما بعدها، لجهة هندسة الخارطة السياسيه خاصة أن جميع هذه القوى مقبلة على مرحلة تحالفات انتخابية، نشطت مؤخراً قبل قضية «الشرعية» في بلورة مواقفها ورؤاها حول الانتخابات.
ويبدو من ذاك الحراك السياسي لأحزاب المعارضه الايام الماضية، أن تكتل هذه القوى مع الحركة الشعبية الذي كان يخطط لمولده من خلال ملتقى جوبا أن مصيره غدا ليس بأفضل من محاولات تحالف سابقه قادتها المعارضة فيما بينها لم يكتب لها النجاح نتيجة لإختلاف المواقف والمصالح. ويظهر مؤشر قراءة ما اثارته المعارضه من جدل حول شرعية الحكومة أن خطوات تلك القوى إتجاه الحركة الشعبية ستتباعد على ضوئها ذلك، بعد أن شهدت علاقات الشعبية نوعاً من التقارب مع القوى السياسيه المعارضه على ضوء خلافات الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطنى حول نتائج التعداد السكانى والإنتخابات وأبيي وقوانين التحول الديمقراطي.
ولكن الحركة الشعبيه استشعرت سريعاً خطورة التباعد والاختلاف في المواقف بينها والقوى المعارضه، فاتجهت لاستدراك هذا الوضع الذي ربما تقود مضاعفاته الى حالة خصام بين الطرفين قد تتضرر منه الحركة الشعبية خاصة في مواجهة شريكها في الحكم المؤتمر الوطنى، فدعت القوى السياسيه لإجتماع بقائدها سلفاكير ميارديت لمناقشة ترتيبات ملتقى جوبا، وهى خطوة تعكس سعي الحركة الى الإحتفاظ بورقة التحالف مع المعارضه، وأن تحتفظ ايضاً بذات المساحه بينها والمؤتمر الوطنى، الذي بدأت الحركة الشعبية متطابقه مع رؤاه في قضية شرعية الحكومة في وقت تكثر فيه الملفات الخلافيه بين الشريكين، لذا حاولت الشعبية من خلال الاجتماع الذي إلتأم أول أمس بالقوي المعارضة الاحتفاظ بشعرة الوصل التى تربطها بهذه القوي، وفي ذات الوقت الإحتفاظ بموقفها من شرعية الحكومة، وهو ما افصح عنه نائب الأمين العام لها ياسر عرمان حينما قال «ان اجتماعهم مع قادة المعارضة تم بتوجيه من قيادة الحركة، بغرض الإستماع لرؤوساء الأحزاب، وأشار ان الاجتماع أكد على إحتفاظ كل طرف بمواقفه، الحركة بشرعية الحكومة، والمعارضه بعدم شرعيتها»
أما المعارضة فإن تقديراتها في مكاسبها من إثارة قضية شرعية الحكومة تبدو غير ذات جدوى، فالقضية المثارة دون ان تدري القوي المعارضه فإنها قربت الشقة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية وبدا أكثر تقارباً في المواقف ولو ظاهرياً في الحفاظ على مصالحهما المشتركه، كما أن المعارضه بهذه الخطوة تباعدت الخطي بينها والحركة الشعبية، حيث بدأ للحركة الشعبية أن شريكها المؤتمر الوطنى هو خط دفاعها في قضية شرعية الحكومة، وبالتالي أظهر حرصه على مكاسبها في الحكومة، وهو ما جعل المؤتمر الوطني يستغل تلك الوضعية في زيادة هجومه على قوي المعارضه وتعريتها لإحداث مزيد من التقارب مع الحركة الشعبيه. ولكن الدكتور بهاء الدين مكاوي استاذ العلوم السياسيه بجامعة النيلين، قال لـ»الصحافه» إن الحركة الشعبية قوى سياسيه تسعى للوصول للسلطه، بالتالي هي تقرأ الأمور من باب المصلحة السياسية، فلا يمكن ان يتصور ان تتخلي عن حكومة هى شريك فيها لتبحث عنها مع المعارضه هذا من ناحية المصلحة السياسيه. أما ملتقي جوبا فهو تكتل ضد المؤتمر الوطنى لكن الحركة بعد هذا الحراك ستجد نفسها الاقرب للمؤتمر الوطني، وأخلاقياً كذلك لأنها ستدافع عن الدستور والاتفاقية والقانون لأنها جزء من الحكومة، فالحركة الشعبية قد تناور بالحديث عن عدم تنفيذ الاتفاقية ولكنها في المواقف الفاصلة كهذا ستتخذ القرار الصحيح الذي يتسق مع مصالحها وكذلك يتفق مع الاتفاقية والدستور الذي وضعته».
ولكن الى أي مدي يمكن ان يدق جدل شرعية الحكومة أسفيناً في علاقة الحركة الشعبية بالقوي السياسيه المعارضه، من واقع مجريات الحراك السياسي والمنافع المتبادله بين هذه القوي السياسيه. فالحركة الشعبية تستغل تقاربها مع القوي السياسيه المعارضة ككرت ضغط ضد شريكها في الحكم المؤتمر الوطنى لتحقق من خلاله مكاسب وتنازلات سياسيه منه مقابل التقارب والتحالف معه في كثير من القضايا المشتركه بين الشريكين، أما المعارضة فإن حاجتها للحركة الشعبية تبدو أكبر من حاجة الحركة الشعبيه لها، لأنه على الأقل فإن الحركة الشعبية خياراتها في الساحه السياسيه تبدو أكبر والأوسع فرصاً لتنسيق واقامة التحالفات بما فيها التحالف مع المؤتمر الوطني، عكس القوي السياسيه التى تمثل الحركة الشعبية بالنسبة لها الداعم الأوحد والمقوي الفاعل لتحالفات ضد المؤتمر الوطنى سواء في مواجهة القضايا الخلافية في الساحة السياسيه أو التحالف في خوض الإنتخابات المقبلة، لذا يبدو حرصها على بقاء تحالفها مع الحركة الشعبيه الأهم رغم اختلاف مواقفهما فيما يتعلق بشرعية الحكومة، لذا قال الناطق الرسمي بإسمها فاروق ابو عيسي «ان مشكلتهم مع الحكومة سياسيه وعبارة عن صراع أجندة، وأن الصراع بين الطرفين سيستمر، متهماً المؤتمر الوطنى بخرق الدستور عدة مرات».
وإن كانت الحركة الشعبية وتحالف المعارضه قد إتفقا على ان المؤتمر الوطنى تسبب في الازمة الحالية التى تعيشها البلاد في تصريحاتهما، إلا أنهما إختلفا حول شرعية الحكومة التى ايدتها الشعبية وقالت بعكسها المعارضه، كما يظهر الإجتماع ان المعارضه بدأت في تغيير طبيعة هجومها فمن طريقته القانونية المنادية بحكومة قوميه بعد فقدان الحالية لشرعيتها، الى لهجة سياسية بحسب ما افصح ابوعيسى، وهذه اللهجة السياسيه اكثر ما تعكسه هو حرص المعارضه على خطب ود الشعبية وكسبها الى جانبها في صراعها مع المؤتمر الوطنى. ولكن الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات، قال لـ»الصحافة» ان اثارة موضوع شرعية الحكومة وما افرزته من مواقف سيلقي بظلاله على ملتقي جوبا، الذي توقع ان تحرص فيه الحركة الشعبية على مشاركة المؤتمر الوطنى وبالتالي لن يكون خاصاً بالمعارضه، أو إتجهت الى تغيير اجندة الملتقي حتى تتفادي أي احراج سياسي يمكن ان يقع عليها من شريكها في الحكم، وقال حسين ان الحركة الشعبية استدركت ان مصلحتها في التقارب مع المؤتمر الوطني بعد ان مس هذا الحدث امتيازاتها الاساسيه، واداراكها ان كل ما كانت تقوم به بعيداً عن مكتسابتها في نيفاشا، وأضاف «ان هذه القضية يمكن ان تؤدي لتقارب بين الشريكين حتى لتحالف في الانتخابات، مشيرا الى ان الحركة الشعبيه كانت تستخدم القوي المعارضه لأغراضها الخاصه، وكذلك القوي المعارضة تستخدم الشعبية لأغراضها، مشيرا الى ان اثارة موضوع شرعية الحكومة أفرز الكيمان ونبه على الأقل كل طرف الى مصلحته».
كذلك فإن خطوة المعارضة التى قادتها ضد شرعية الحكومة التى تمثل الحركة الشعبية شريكاً رئيسياً فيها، فإنها بذلك التحرك ستضعف من احتمالات التحالف والتقارب معها بصورة اكبر، كما أنها وضعت الشعبية في موقف حرج اتجاه موقفها من هذه القوي فهى تريد التحالف والتنسيق مع قوي تري فيها عدم الشرعية في ادارة دولاب الدولة، وتريد في ذات الوقت ان تنسق معها بشأن تلك القضايا التى تمثل جزء من ادارتها.
من واقع هذه التحركات التى شهدتها الساحة السياسيه فإن مؤتمر جوبا الذي كانت القوي المعارضة تعول عليه في الخروج بتحالف مع الحركة الشعبية لمواجهة المؤتمر الوطنى في الانتخابات والتنسيق معها في كثير من القضايا الخلافيه بينها والمؤتمر الوطني، ودعم موقفها في تلك القضايا مقابل التحالف معها. يبدو أن تلك الخطوات التى قادتها المعارضة ستجعل من ملتقي جوبا بدلاً من تنسيق المواقف والتحالفات سيجعل منه خطوة لتلطيف الأجواء بين الحركة والقوي المعارضه وتأكيد موقفها من التقارب والتنسيق معهما أكثر من بحث القضايا التى كان يفترض ان يتداولها الملتقى قبل الحديث حول شرعية الحكومة.
خالد البلوله إزيرق :الصحافة