الواقع المرير
من أجمل وأصدق ما قرأت مؤخراً وودت إشراككم فيه.. وأرجو أن تتأملوه بعقول مفتوحه ونفوس مرنه ومحايده.. عساه يترك فيكم أثره الإيجابي:
(أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم بميلي إلى الغرب، وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف، ووالله إن غبار حذاء محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين.
ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني، يقول تعالى: « ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة».
وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة، وتهذيب الطباع، ولطف المشاعر، وحفاوة اللقاء، حسن التأدب مع الآخر، أصوات هادئة، حياة منظمة، التزام بالمواعيد، ترتيب في شؤون الحياة!
أما نحن العرب؟
فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحُّش والغلظة، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى. ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.
نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله!
فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق، وتصحّر في النفوس، حتى إن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر!
الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته على الناس!
ومن الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء!
ومن الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى!
من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له، وإذا جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه..
الشرطي صاحب عبارات مؤذية!
الأستاذ جافٍ مع طلابه!
فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق!
وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين
يحملون الرقة والرحمة والتواضع!
وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللباقة مع الناس!
وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية!
المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا !
في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة، من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق
ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة!
لذلك تجد في غالب سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة، وكلما قلت: ما السبب ؟
قالوا: الحضارة ترقق الطباع!
نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك!
نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا!
نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف.
أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا، احترام متبادل، عبارات راقية، أساليب حضارية في التعامل.
بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا، أين منهج القرآن: «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن»، «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، «فاصفح الصفح الجميل»
«ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير»
وفي الحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن»
و«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
و«لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا»
عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف.
يقول عالم هندي:
(المرعى أخضر ولكن العنز مريضة)
أتمنى ممن قرأ هذه الرسالة أن يغير من تعامله ولو الشيء اليسير، مع المجتمع من حوله، مع أهله، مع جميع الناس، مسلم أو غيره .
يجب أن نرتقي بتعاملنا مع الناس.
فنحن خير أمة أخرجت للناس…)
بقلم الدكتور/ عائض القرني
* تلويح:
لاتدفنوا رؤوسكم فى الرمال.. وأسقطوا المقال على واقعنا السودانى بعيداً عن ادعاءاتنا بالتميز.. وأعقدوا المقارنات.. ثم حدثوا أنفسكم بما وجدتموه فينا بكل شفافية.. والقرار لكم.
إندياح – صحيفة اليوم التالي
[SIZE=2]لقد اسمعت لوناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادى
ولو نار نفخت بها اضاءت ولكنك تنفخ فى رمــاد[/SIZE]