ماذا خسرت ود مدني.. بنيابة الصحافة؟
كتب عدد من الزملاء رؤساء التحرير والصحافيين عن معاناتهم مع البلاغات والدعاوى التي ترفع ضدهم لدى نيابة الصحافة في ولاية الجزيرة بمدينة ود مدني، وتناولوا رهق السفر ونصب الترحال المر من الخرطوم إلى عاصمة ولاية الجزيرة والعودة منها.. وضآلة الأفق السياسي وبؤس الحجج التي يتم التذرع بها لتبرير وجود هذه النيابة أو أهميتها، برغم الجدل المثار حولها وتعلق المسؤولين الولائيين ووزارة العدل بحبال من دخان والادعاء بأن مكان الاختصاص وانعقاده هو ما يجعل وجودها في ود مدني أمراً لا بد منه.
لكن الذي يتوجب الكتابة عنه بعد رحلة رابعة لنا كانت أمس إلى ود مدني ثم الإياب منها، ليس عن معاناتنا مع هذه النيابة، لكننا نكتب عن معاناة حكومة ولاية الجزيرة نفسها مع هذه النيابة.. حيث تأكد لكثيرين من الصحافيين أن أكثر الأشقياء بها هم من صنعها وطالب بها وجعلها منصة لتصفية حساباته مع الصحافة السودانية التي تنتقد أداءه وتصوب سهامها نحو الأخطاء التي تحدث.
حكومة ولاية الجزيرة هي التي استنت هذه السنة بين الولايات وتتحمل وزرها ووزر من يعمل بها، فمنذ افتتاح هذه النيابة، وملاحقتها للصحافيين، زادت معاناة الولاية مثلما تفاقمت معاناة الصحافيين، فقد فقدت حكومة البروف الزبير بشير طه علاقتها الطيبة مع الصحف لسبب بسيط، هو أن 99% من الشكاوى والبلاغات المقدمة للنيابة المختصة في ود مدني التي يُقاد لها الصحافيون، هي بلاغات وشكاوى حكومية، الشاكي فيها الحكومة الولائية والمعتمدون ومستشارو الوالي والوزارات والإدارات في الولاية، وجلست الولاية بكل جدارة واستحقاق على مقعد الخصومة مع الصحف والصحافيين، وترتب على ذلك خاصة أنها ــ أي حكومة الولاية ــ أن أفرغت كل شحنائها وبغضها على جمهرة من الزملاء مراسلي الصحافة السودانية في ود مدني، مما اضطر هؤلاء إلى مقاطعة أخبار حكومة الولاية ونشاطها العام، وأصبحت كل أعمال الحكومة الولائية خيرها وشرها بعيدة عن رصد الصحافة وأعينها.. وتعمل حكومة الجزيرة في ظل الأحداث بعيدة عن مساقط الأضواء وتعيش في العتمة!! فقد خسرت الصحف التي كانت تفيض صفحاتها بأخبارها وأحداثها.
كم من رؤساء التحرير زار ود مدني بأمر قبض وغادرها وقلبه مليء بالأسى محزون الفؤاد وغاضب، لم يلتفت ليرى ماذا في هذه المدينة وما الذي يجري في الولاية وما هي إنجازات حكومة البروف الزبير؟ وحرمت حكومة الولاية مدينة ود مدني وهي مدينة ذوق وفن وأدب وإبداع، من أن يُنظر لها بعين الرضاء وبقلوب محبة تبحث عن الجديد فيها وتطمئن الأرواح عندها!!
لم تعد ود مدني في نظر الصحافيين إلا هذه الرحلة المتعبة وأوامر القبض والتحري والتحقيقات في مكتب صغير في مباحث ود مدني أشبه بالفرن بلا أثاث يجلس فيه قادة الصحف على «عنقريب» مقطع الأوصال والحبال ليوم طويل ومرهق تحت سقف وحوائط من الزنك.. ولولا نبل ومروءة وطيبة أهل مباحث ود مدني لتحول المكان والرحلة إليه إلى حالة تعذيب قسري ومعلن للصحافيين.
وتعاني حكومة الولاية دون أن تدري.. من شيء آخر خطير ومثير، هو أن نوع الشكاوى والبلاغات وموضوعاتها تمثل تهمة معنوية وارتدادية في الاتجاه المعاكس ضد حكومة الولاية، فهناك ضيق لا مبرر له من أي تقرير أو خبر أو رأي يكتب عن أوضاع الولاية، وتوجد رغبة محمومة بل متوحشة لمعاقبة الصحف على كل ما يُنشر فيها، فقد تفننت حكومة الولاية والمحليات والإدارات في ترصد التقارير والأخبار والتعليقات الصحفية العامة وتصيد أية عبارة فيها لم تفهم جيداً واتخاذها معبراً وقنطرة لتأديب صاحبها!!
فكل البلاغات التي تجاوزت خلال الفترة الأخيرة «56» بلاغاً لدى نيابة الصحافة في ود مدني، قدمتها حكومة الولاية، لا تحمل إساءة أو إشانة سمعة أو تجنياً بقصد واضح ضد الحكومة بالولاية.. فهي إما نقد مشروع وأسئلة تحتاج لإجابات أو نقد عام بتقديرات نسبية.
نحن لا ننادي بإلغاء النيابة المختصة بالصحافة في ود مدني، لكننا ننادي بإنهاء الضرر الذي لحق بولاية الجزيرة من تعامل حكومتها وتعاطيها مع قضايا الصحافة، ولا ندعو أية ولاية إلى أن تحذو حذو ود مدني كما يحاول أحمد عباس في سنار هذه الأيام لإتباع السنة السيئة.. فلينظر الناس ما الذي خسرته ود مدني بالقبض على الصحافيين والتضييق عليهم وجرجرتهم إلى أسوأ ما فيها.. وهي زنازينها!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة