لقاء الوطني والشعبي.. أين الاتجاه؟
لقاء الرئيس وعدد من قيادات المؤتمر الوطني بالدكتور حسن الترابي ومعه رهط من قيادات المؤتمر الشعبي، يتجاوز الحالة السياسية الراهنة، فقد خرج اللقاء من حقيقته الشكلانية بوصفه تتويجاً لحوارات ولقاءات سابقة، إلى وميض قوي لما هو أكبر من ذلك.. وتم شحنه بضوء كثيف من الاهتمام الإعلامي حتى تكون له انعكاسات وظلال كثيفة على الراهن السياسي ويغطي كل ما حوله من أحداث.
ولن يشك أحد في أن المخاطب باللقاء في المقام الأول ليس الداخل السوداني الذي كان حاضراً بقدر ما، لكنه كان رسالة قوية للخارج كانت مقصداً من مقاصد هذا الالتئام، وقد يختلف الناس في تقديرات وحسابات السياسة الآنية، لكنهم لا يختلفون في أن فاصلاً مدارياً بين طقسين قد بدأ ونشأ بالفعل، وتحولت العلاقة بين المؤتمر الوطني والنصف الآخر المؤتمر الشعبي، إلى التحام جديد عبرت عنه جلسة أول أمس، ولا يمكن اعتبار ما جرى نوعاً من سلسلة الحوارات مع القوى السياسية.
فقد سبقت هذا اللقاء لقاءات للرئيس وقيادات حزبه مع قيادة حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي وبعض قوى اليسار، لكنها بأي حال من الأحوال، لم تجد الزخم والصيت والاهتمام النوعي والرصد والمتابعة كما حظي به لقاء شقي الرحى الإسلامي.. وشقيق الرحم الواحد!!
واستمر اللقاء ساعة واحدة، وحضرته القيادات التاريخية للحركة الإسلامية قبل مفاصلتها، وهذه الساعة لن تكون كافية لمناقشة مبادرة الرئيس والحوار الوطني وقضايا الدستور والانتخابات والحريات العامة وغيرها من الشؤون التي أعلن أنها كانت على طاولة البحث، فهذه القضايا قتلت بحثاً في لقاءات غير معلنة وجرى الاتفاق عليها، لكن اللقاء كرَّس لإشهار ما سيكون في مقبل الأيام القادمة التي يتم فيها ترتيب البيت من الداخل، وإعادة تركيب الأوضاع من جديد.
ويمر الداخل السوداني الآن بمرحلة مهمة للغاية تقتضي مراجعات عديدة وتقوية بنية مؤسسات الدولة ووضعها على المسار الصحيح، فهناك حاجة لازمة لتحقيق الاستقرار والسلام في كل أرجاء السودان، ولجم الحروبات وإشاعة روح الحوار الوطني، والتوافق على المصالح العليا والثوابت الوطنية التي لا يختلف حولها الناس، بجانب أن التطلعات نحو استكمال التنمية للنهوض بالبلاد من وهاد التخلف والقصور التنموي وإعادة بناء الإنسان وتقوية أواصر المجتمع التي تهتكت، وصون الهوية الوطنية.. تتطلب من أصحاب الحكم من بداياته حتى اليوم، أن يفكروا بعمق وتجرد في كيفية جمع الكلمة وتمتين الوحدة الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي والسياسي.
وفي هذه الحال، إذا لم يتوحد الصف الإسلامي الذي صنع الإنقاذ، ومعه كل القوى الوطنية السودانية والطوائف والجماعات الدينية والقوى الاجتماعية الفاعلة، فلن يشهد السودان وفق المعطيات الراهنة أي استقرار سياسي أو أمني، ولن يخطو نحو السلامة من مخاطر التدهور الاقتصادي.
وهناك من يظن أن ما يتمخَّض عن هذه اللقاءات والاجتماع الأخير أول من أمس، سيحدد فقط أطر التعامل بين المؤتمر الوطني والشعبي، مع الاحتفاظ بالكيانين السياسيين منفصلين عن بعضهما، لكن واقع الحال بدأ يشير رويداً رويداً إلى أن عوامل أخرى داخلية وخارجية تجعل من الضروري والواجب رسم ملامح ومعالم سياسية جديدة في البلاد وتغيير قواعد وركائز المشهد السياسي برمته، ولن يتأتى ذلك إلا بتوحيد الصف الإسلامي ومواجهة التحديات الجسام التي ضربت المنطقة من حولنا وصارت تستهدف الدعوة نفسها، ووجود التيارات الإسلامية التي تدعو لتحرير العالم الإسلامي من التخلف والتبعية وربائب العلمانية السياسية وكلاب صيد المصالح الغربية.
وبالرغم من أن هذا اللقاء أشاع شعاعات من الأمل في نفوس الإسلاميين، إلا أنه أثار وحرَّك فرائص لدى القوى المعادية لهم والمتخوفة من تلاقيهم، وقد تتعجل في ضرب تقاربهم من بعضهم البعض، إذا لم يقم هذا التقارب على موجهات وأساس متين وجديد، وبأفكار وتوجهات واقعية تأخذ في الاعتبار أخطاء المرحلة السابقة، وتنفتح على معطى الواقع وإشكالاته وتحدياته وأسئلته الكبرى.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة