تحقيقات وتقارير

الخلاف سيد الموقف .. ختان الإناث

لايزال الجدل محتدماً ومستمراً حول ختان الاناث وشرعيته حيث يتمسك المناهضون له بأن لا علاقة له بالشرع وان الاحاديث التي وردت بشأنه ضعيفة وان اضراره بالغة من الناحية الصحية على الفتاة المختونة.
بينما يرى الآخرون انه مستحب ومكرمة للنساء بشرط ان يجرى بالطريقة الصحية التي لا تؤذي الفتاة وساقوا الادلة والبراهين التي تثبت ذلك، بل أكدوا ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم ينه عنه وان سيدنا ابراهيم عليه السلام اشار الى ختان زوجته هاجر.
وعلى الرغم من السمنارات والندوات التي عقدت في هذا الشأن إلاّ ان الخلاف لا يزال سيد الموقف بين المختصين سواء في الحقل الطبي أو القانوني أو الفقهي.

ضغط المناهضين
المناهضون لممارسة الختان كثفوا نشاطهم بصورة أكبر واستخدموا كل آليات الضغط حتى تستجيب الجهات المعنية بسن تشريع يجرم الممارسين للختان وكان نتاج ذلك بأن اصدر المجلس الوطني قراراً اجاز فيه بياناً تقدمت به وزارة الرعاية الاجتماعية تضمن فقرة تنادي بسن التشريعات اللازمة التي تمنع ختان الاناث ومكافحة كل العادات الضارة واستنفار الجهات ذات الصلة لدعم هذه الجهود.
بينما اصدر المجلس القومي لرعاية الطفولة اعلاناً طالب فيه بضرورة انفاذ استراتيجية وخطة عمل وزارة الصحة التي تتضمن برنامج القضاء على ختان الاناث وضرورة تطويرها.
وفي ذات الاتجاه اصدر المجلس الطبي توصية بأن لا يسمح للاطباء ممارسة اي عمل يضر بالانسان أو فيه شبهة ضرر ويشمل ذلك ختان الاناث.
هذه الجهود دفعت بالمجلس الوطني ان يصدر مشروع قانون منع ختان الاناث ويعاقب من يمارسه بالسجن ما بين ثلاث إلى عشر سنوات وغرامة مالية وقد تصل العقوبة الى السجن المؤبد. او سحب الترخيص.
كل هذه الاسانيد والحيثيات استصحبتها ورشة عمل مناهضة ختان الاناث التي اقامها مركز المرأة لحقوق الانسان بالتعاون مع اتحاد الصحافيين السودانيين.. ضمن النشاطات التي تقام للحد من ختان الاناث والتي اثارت جدلاً واسعاً وسط المشاركين.
تطبيق القانون
د. أحمد المفتي الخبير في شأن حقوق الانسان نظر للقضية باعتبارها ضمن القضايا المهمة في حياة الانسان، وان موقف النظام الدولي لحقوق الانسان واضح تجاهها بأنها عنف يمارس ضد المرأة يجب ازالته وان الاصل في تكريم البشر ما جاء في الاسلام بضرورة اكرام البشرية كما جاء في الآية (ولقد كرمنا بني آدم..) واستند في حيثياته إلى حديث الشيخ يوسف القرضاوي الى ما انتهى إليه علماء المسلمين في الادلة من القرآن والسنة والاجماع بأن لم يجد فيها دليلاً لوجوب ختان الاناث ولا استحبابه أو كراهته أو تحريمه وانتهى الى قول الشيخ القرضاوي بأن ما يجري الآن بشأن الختان وطريقته الحالية بأنه امر غير مأذون به بل محظور شرعاً. وركز في حديثه على فقرة معاملة كل أشكال العنف ضد الفتيات بوصفها جرائم يعاقب عليها القانون والتي تضمنتها قرارات مجلس حقوق الانسان بأن يؤخذ في الاعتبار ما نصت عليه الفقرة عبارة (المصلحة الفضلى) وان المتهم في هذه الحالة يكون واحداً من افراد الاسرة الأكثر قرباً للفتاة مثل الوالدين أو الجدة، ولا شك ان تجريم اي منهم او حبسه او تغريمه قد يعود بالضرر على الفتاة اكثر من الختان، وان المتهم يقوم بفعلته بحسن نية بقصد تحقيق مصلحة الفتاة وليس لتسبيب ضررلها.
وفي ذلك اشارة واضحة بأن تطبيق قانون ختان الاناث قد يعود بالضرر على الفتاة اكثر من ضرر ممارسة الختان.
أزمة شائكة
في ذات الاتجاه كان حديث الخبير والمستشار القانوني صلاح الدين معروف بأن ختان الاناث من الازمات الشائكة والمعقدة التي اختلف حولها الناس كثيراً لذا من الصعوبة ان يوجد قانون يجرمها بصورة قاطعة، وابان ان الدستور الحالي وضع نصاً يتعلق بصحة المرأة ومحاربة العادات الضارة ولكنها تصبح نصوصاً دستورية لا يمكن تنزيلها لتكون قانوناً يجرم الممارسة لانها تتعلق بعادات، كما ان تضارب الآراء واختلافات وجهات النظر تحجم ايجاد قانون.. واشار الى ان القضية تحتاج لخطط ممرحلة للاقناع ومدارسة الامر وتقريب شقة الاختلاف حتى نصل للحظر أو التجريم.
سجال وخلاف
آراء الفقهاء وعلماء الدين كان الخلاف واضحاً حوله فالذين يؤدون الختان اتفقوا جميعاً بعدم الموافقة على الختان الفرعوني وان فيه ضرراً بالغاً على الانثى، ولكن استناداً إلى آراء أهل العلم بالمذاهب المختلفة باباحة الختان بأنه واجب على الرجال والنساء وهذا مذهب سحنون من ائمة المالكية وأيضاً مذهب الشافعي.
وانه سنة للذكر والانثى وهو مذهب ابو حنيفة والشافعي وواجب على الرجال وسنة علي النساء وهو مذهب بعض الشافعية.
وأكدوا بأنه لا فرق في حكم ختان الذكر والانثى، واستندوا إلى حديث عائشة رضى الله عنها قالت: قال النبي «صلى الله عليه وسلم» اذ جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل واشاروا الى ان اول من ختنت من النساء هاجر عليها السلام زوجة سيدنا ابراهيم عليه السلام ورووا بأنه عندما وهبت سارة هاجراً لابراهيم وتزوجها غارت سارة فحلفت الايغيرن منها ثلاثة أشياء فخشى ابراهيم ان تقطع اذنيها او تجدع انفها فامرها ان تخفضها وتثقب اذنيها،
ومن الادلة التي استند إليها بعض الفقهاء حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظافر ونتف الابط).
وحديث أم عطية عندما قال لها النبي (صلى الله عليه وسلم) اخفضي ولا تنهكي فان ذلك احظى للمرأة واحب للبعل).
ولم ينهها عن الختان.
ومن بين هؤلاء العلماء المؤيدين للختان – وليس الختان الفرعوني – د. عبد الحي يوسف العالم الاسلامي المعروف الذي كان رأيه واضحاً بأن الختان غير حرام بل الاتفاق على مشروعيته وقد نطقت الادلة الشرعية بوجوبه وسنيته، فالشريعة الاسلامية لم تأت بما فيه ضرر «كان حديثه هذا في وقت سابق في احد المنابر».
ومن الاسانيد التي اعتمد عليها المؤيدون فتوى مجمع الفقه الاسلامي التي صدرت في مايو في العام 2005م بأن أهل العلم مجمعون على مشروعية الختان ولكنهم مختلفون في درجة المشروعية بين قائل بالوجوب وهم الشافعية وقائل بالسنية وهم الحنفية والمالكية، وقائل بالمكرمة وهم الحنابلة وما ثبت بأن الختان من ملة سيدنا ابراهيم عليه السلام واستندت الفتوى ايضاً على فتاوى علماء الاسلام المعاصرين بمشروعية ختان الاناث مثل محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ عبد العزيز بن باز المفتي العام في السعودية سابقاً وأكدت الفتوى عدم جواز الختان الفرعوني.
ولكن المناهضين لختان الاناث اضعفوا تلك الاسانيد وأكدوا ان الشرع لم يتضمن ادلة تجوز ختان الاناث ومن بين هؤلاء العلماء الشيخ عبد الجليل النذير الكاروري العالم الاسلامي المعروف الذي قال: إن أمر ختان الانثى حدث فيه سجال كبير وخلاف، والخلاف بيننا والآخرين في فهم الاحاديث النبوية التي استند إليها الآخرون في اباحة الختان، فحديث ام عطية (اخفضى ولا تنهكي) فإنه ضعيف.
أما الحديث (الختان سنة للرجال ومكرمه للنساء) فان المكرمة حدثت للنساء بختان الزوج كما جاء في طهارة الفم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) فالرب تناله التقوى والمرأة ينالها الطهر.
اما حديث (اذا التقى الختانان فيجب الغسل).
فالمرأة مختونة بالفطرة، ولكن الرجل يجب ان يختن، وقال: ما يدل على عدم وجوب الختان انه لم يثبت ختان بنات او نساء النبي (صلى الله عليه وسلم)، وان سيدنا ابراهيم عليه السلام ختن نفسه ولم يختن بناته.
وأشار الى ان الذين يتحدثون عن التأصيل في أمر الختان يرون ان القرآن قد سكت في امر الختان، ولكن أهل العلم يحصرون اوامر الشرع – الأمر والنهي – ويقدمون النهي عن أمر الحديث.
وقال ان ختان الاناث والغلو فيه كما جرى في السودان هو تقليد مثله والشلوخ التي اندثرت الآن بمرور الزمن.. ونتوقع ان ينتهي الختان ايضاً لانه قائم على التقاليد والعادات.
خلاف وسط الاطباء
الرأي الطبي ايضاً فيه خلاف وان اتفقوا جميعاً على ضرر الختان الفرعوني.. فالبعض يرى ان الضرر يقع على الانثى عند ممارسة كل انواع الختان ويؤدي الى مضاعفات عديدة.
بينما يرى البعض ان تركه يؤدي الى اضرار اخرى تقارب تلك التي تحدث عند الختان الفرعوني ومن بين هؤلاء د. ست البنات خالد استشاري امراض النساء والتوليد التي اعتبرت ختان الاناث امتثالاً للشرع لما فيه من اصابة الفطرة والاهتداء بالسنة دون فرق بين الرجال والنساء وان كل ما شرع لنا لا بد ان يكون فيه الخير من جميع النواحي ومن بينها الناحية الصحية، وبما ان ختان الذكور يقي من امراض كالايدز وكانت بعض الاصوات بدأت تنادي بتركه كما ينادون الآن بترك ختان الاناث والذي اثبتت الدراسات الطبية اهميته للانثى وان تركه يسبب بعض الامراض كالالتهابات الشديدة والآلام كما ان تراكم اللخن يزيد من تكاثر البكتيريا والتهابات الجهاز البولي اضافة الى ان الالتصاقات التي تحدث نتيجة لهذه الالتهابات تؤدي الى قفل المجرى البولي والتناسلي خاصة عند الاطفال وفي مرحلة الكبر (لقلة هرمون الاستروجين).
وتوجد أسباب جنسية مثل قلة الارتواء الجنسي لبعد البظر داخل الجسم وشدة الشبق الجنسي نتيجة للالتصاقات.. ويحدث عدم الختان بعض التأثيرات النفسية كالبرود الجنسي والتبول اللا ارادي وبعض حالات الاكتئاب.
ارقام مزعجة
د. علي العربي استشاري امراض النساء والتوليد اعطى اشارات مخالفة لما ذكرته د. ست البنات وركز في حديثه على بعض الارقام التي تبين ممارسة ختان الاناث رغم الجهود المبذولة للحد منه، وابان ان هيئات الامم المتحدة اوضحت ان عدد النساء اللائي تعرضن لهذه الممارسة يتراوح بين (120 – 150) مليون امرأة وان حوالي (3) ملايين طفلة وامرأة يتعرضن لها سنوياً وتمارس هذه العادة في اكثر من (40) دولة في العالم (23) منها افريقية.
وفي السودان تشير المسوحات الى انخفاض الممارسة عما يزيد عن (90%) في العام 1980م انخفض الى (85%).. وتبين الاحصاءات ان (86%) يتم خفضهن دون سن العاشرة وان (76%) منهن من الفئة العمرية (5 – 6) سنوات وان بعض القبائل في شرق السودان تقوم بختان الطفلات في الشهور الاولى من الولادة.
ويرى ان الآثار الصحية لخفاض الفتيات تبدو اكثر وضوحاً، حيث لم تثبت اية دراسة ان هناك فائدة صحية لهذه الممارسة بل اكدت الدراسات الاضرار الجسدية والنفسية والمعنوية والاجتماعية منها الوفاة نتيجة هبوط الدورة الدموية بسبب الصدمة العصبية والنزف الحاد او بسبب التتانوس لتلوث الجرح واحتباس البول وتهتك مجرى البول نتيجة للخطأ وعدم الكفاءة والمعاناة النفسية للطفلة.
اضافة للمضاعفات النفسية والاجتماعية على الزوجة والاسرة نتيجة للآثار السالبة على الممارسة الزوجية، والمعاناة عند كل ولادة وتعسرها.
أخيراً…
يبدو ان الشقة واسعة بين المؤيدين والمناهضين لختان الاناث فالاختلاف واضح على كل المستويات الرسمية والشعبية والقانونية والفقهية والشرعية.. اختلفوا ايضاً حتى على مستوى الآثار الطبية.. فقط اتفقوا جميعاً على ضرر وعدم ممارسة الختان الفرعوني فالأمر يحتاج لمزيد من الدراسات والبحوث حتى يزال اللبس والوصول الى رؤية تتحقق فيها المصلحة الفضلى للفتاة دون ان يحدث لها ضرر.
سامية علي :الراي العام

تعليق واحد