داليا الياس

أكواب.. فارغة

[JUSTIFY]
أكواب.. فارغة

# يحدثونني عن نصف الكوب الممتلئ.. في محاولة جيدة لإعانتي على الصبر وبث روح الأمل بأعماقي.. ولكنهم لا يعلمون أن أكوابي.. فارغة!
نعم.. كل الأكواب التي تدور على أيامي احتساها الإحباط والحزن.. وكسرت الوحدة بعضها على أرضية الخذلان. لم يتبق لي سوى تلك الشظايا الجارحة التي أقفز فوقها بخوف عساني أتجنب وخزها دون جدوى.. وبعض أكواب متسخة تبادل فيها الوجع أنخاب الانتصار مع هزائمي المتلاحقة على مناضد الشك الذي يسيطر على حياتي ويسلمني لقناعة تامة بأن شيئاً ما عظيم الكوارث يتربص بي قريباً!
# كوب الصحة معتل.. وأعلم أن بقايا العافية فيه لا تلبث أن تتبدد على أبواب المشافي الخاصة وجيبلي يخرج لسانه ساخراً بعد رحلة عودته المريرة من تجاربه المبكية مع العلاج الحكومي الذي يحكي أنه يمم وجهه شطر أطراف العاصمة الحضارية التي لم أعد أعلم أين تقع أطرافها تلك على وجه التحديد. وربما عنوا أطرافها الصناعية بعد أن بُترت قدماها وصارت كسيحة لا يمكنها اللحاق بركب المدن المتقدمة إلا في أحلام أنيق الصحافة السودانية (محمد عبد القادر) الذي لا يزال متشبثاً بشواطئها النيلية الستة وبعض الملامح السياحية الواعدة بزواياها, التي أطمئنه بأنها لن تتجاوز أحلامه، وتلك الجائزة الفخرية التي فرحنا بها!!
# كوب الأمان مشروخ.. فقد أصبحت أخاف السير وحدي.. ويظل أبنائي محبوسين على ذمة قلق أمومتي بين جدران المنزل لحين سدادي لالتزامات المعيشية كل يوم والعودة في رهق وعنت لأفرج عن طفولتهم المتذمرة والحائرة لدقائق معدودة لا تتجاوز ما تسمح به طاقتي لمراقبتهم، وهم يركضون في تعطش أمام الباب، وكأنهم يعبون من هواء الشارع ما يملأ رئاتهم ويكفيهم حتى أشعار آخر من أكسجين الحرية التي باتت كلمة غريبة على طفولتهم!
شرطي صديق من أهل الاختصاص نصحني بألا أخيفهم من المجتمع، ولكن يجب أن أعلمهم خبايا الحياة، وكيفية التصرف السليم في الوقت المناسب ليحموا أنفسهم على أن تكون القاعدة الأولى التركيز على وحدتهم الداخلية وخوفهم وحرصهم على بعضهم البعض.. أعجبني كلامه.. ولكني محتاجة جدا لكثير من الجرأة والوقاحة لأفتح عيونهم على ما يجب أن يتجنبوه من أمور سترغمني لا محالة على هتك عذرية انطباعاتهم الوردية عن الناس والحياة والانتقال بهم إلى دائرة النضوج باكراً!! ولا مناص.
# كوب الحب.. أوهي الأكواب وأجملها.. أتلذذ بارتشاف بقاياة بالقدر اليسير الذي يبلل شفاهي الجافة خوفاً من نفاد محتواه.
لم يعد لي سوى هذا الكوب الذي أحرص على توفير وافر الحماية له حتى لا تناله نبال الملل والبرود الجحود .
بقية الأكواب المخصصة للأمل والعمل والصداقة والطموح.. إلى جانب كونها فارغة.. فقد آثرت غسلها تماماً ورفعها على أرفف (فضية) العمر لتكون يوماً ما تذكارا وإرثاً لأحبائي على أمل أن يتمكنوا يوماً من استخدامها وإعادتها إلى (صواني) حياواتهم لملأها من جديد بما يلزم ويراقبوه حتى لا يجف.
#تلويح:
أفرغت كوب مشاعري على أعتاب هذا الرجل.. وأخشى أنه قد قفز فوق الأعتاب كي لا يبلل حذائه.. فالشاهد أنه يكترث لأناقته أكثر من أشواقي!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي

‫2 تعليقات

  1. لا حول ولا قوة الا بالله
    هوني عليك اختاه
    الدنيا بخير والاصدقاء موجودون بكثرة
    وهذا الرجل ربنا يهديييييييييه