ما وراء كواليس لقاء الجمعة
ليلة أمس الأول (الجمعة) التقى رئيس الجمهورية عمر البشير بالدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي.. في بيت الضيافة.. مصحوبين بحشد من ألمع نجوم الحزبين..
الحضور من الطرفين حوالي (30).. واللقاء استمر لمدة (90) دقيقة.. بمتوسط ثلاث دقائق فقط متاحة لكل مشارك للحديث وللعشاء أيضاً..
بكل تأكيد.. بمثل هذا العدد والتمثيل.. الجلسة لم تكن للحوار أو التفاوض حول شيء.. إلا المتفق عليه أصلاً.. يؤيد ذلك شكل الجلسة الذي يبدو احتفالياً أكثر منه تداولياً..
ولا يمكن أن يجتمع كل هذا الحشد من نجوم المؤتمرين الوطني والشعبي.. ليخرجا بما نطق به الدكتور مصطفى عثمان الذي قال (إن الطرفين اتفقا على تعجيل الحوار)!!
أشك أن غالبية الحاضرين يعرفون بالضبط ما هو المتفق عليه بين الطرفين.. ربما لديهم ملامح.. أو شعور.. أو حنين.. أو أشواق.. لكن بالضرورة ليست لديهم (معلومات!!) قاطعة.. عن المتفق عليه سلفاً.
عندما يريد رجل مثل الرئيس البشير.. وآخر مثل الدكتور الترابي أن يلتقيا ليبحثا أجندة سياسية شائكة وملفوفة بدخان وغبار (15) سنة من الخلاف الشرس الذي تلطخ بالسجون والأذى الجسيم المتبادل.. فلن يبحثا ذلك تحت أضواء الإعلام في بيت الضيافة على مائدة عشاء.. بهذا التمثيل (الرمزي!!)!!
ثم.. من جهة أخرى.. غبي وساذج من يصدق أنه (رفعت أقلام الخلافات وجفت صحف الغبائن).. فحزب المؤتمر الشعبي.. الذي جرب كل السبل لإزاحة غريمه الوطني من السلطة.. من أقصى العمل العسكري المسلح (الذي دفع ثمنه شباب قضى بعضهم 15 عاماً خلف جدران سجن كوبر) إلى أدنى النشاط السياسي في المنابر ونثر اتهامات تاريخية (خطيرة)..
توصل إلى (وصفة!!) جديدة يرى أنها تناسب الزمان والمكان.. (وصفة!) تفترض أن أنجع أسلوب لفك القبضة الممسكة بقوة على (عصا!!) السلطة.. هي فك (الأصابع!!) واحداً تلو الآخر.. بدلاً عن جر اليد كلها كتلة واحدة..
وفعلاً نجح الشعبي في (فك!) الأصبع الأول من اليد القابضة.. حينما أزاح نجوم الصف الأول (السياسي) في حزب المؤتمر الوطني.. ويأمل أن يسعفه الزمن لحين (فك!) أصبع آخر.. في سياق إما ترتيبات انتقالية (قد!!) يضطر إليها المؤتمر الوطني.. أو ربما فتح أبواب حريات التعبير والنشاط السياسي..
حينها يصبح المؤتمر الوطني ممسكاً بـ(عصا!!) السلطة بـ(أصبع واحد!!) فقط لا غير..
وهو سيناريو ذكي وعملي لكن معضلته الأساسية أن الطرف الآخر (المؤتمر الوطني) واع به تماماً.. فالحليفان اللدودان من مدرسة واحدة يؤمنان بمعنى قول أبي الطيب المتنبي (إذا رأيت نيوب الليث بارزة.. فلا تظنن أن الليث يبتسم)..
الدكتور الترابي ربما- يرى أن الوطني من فرط أخطائه القاتلة في العمل السياسي بات قابلاً للسقوط بفعل الجاذبية الأرضية.. حتى بدون أي معارضة.. لكن سقوطه يمثل سقوطاً لكل (الإسلاميين) فالعلامة التجارية واحدة مهما تعددت المصادر.. والأجدر أن تتوفر إما منصة هبوط آمن حال وافق المؤتمر الوطني على ترتيبات انتقالية- أو وريث شرعي قادر على الإمساك بـ(عصا!!) السلطة لمرحلة انتقالية جديدة- حال أصر الوطني على ركوب رأسه حتى آخر المطاف.
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]