واحد كيلو “حريات”
بالله تمعنوا معي في هذا الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الرسمية (سونا) أمس: “أكد حزب المؤتمر الوطني أن قدر الحريات المتاح بالبلاد يفوق ما هو متوفر في الكثير من الدول التي تنادي بالديمقراطية، وحذر من الخروج على القانون بدعوى الحرية، وجدد الحزب التزامه ببسط الحريات وحرية التعبير للجميع دون استثناء.. وأكد عدم ممانعتهم لممارسة الأحزاب نشاطها السياسي في الساحات والميادين”.
لو كان الخبر على لسان وزير الداخلية.. أو حتى على لسان أي متحدث في الدرج الحكومي فقد يكون مقبولاً.. لكن المتحدث الذي يقول في الخبر بالحرف الواحد: “جدد الحزب التزامه ببسط الحريات وحرية التعبير”.. هو حزب المؤتمر الوطني!! الذي تفترض اللعبة السياسية أنه واحد من (اللعيبة) في ملعب السياسة.. وليس (الحكم) ولا (مراقب المباراة)..
حزب المؤتمر الوطني (جدد التزامه ببسط الحريات..) كيف؟ هل هي (فضل ظهر!!) من فائض الحريات التي يتمتع بها هو؟ كيف يبسط حزب المؤتمر الوطني (الحريات!!)؟ هل هو الذي صادرها؟ هل هو الذي يملك مفاتيح (المخزون الاستراتيجي!) للحريات فيخرج منها بقدر ما يشاء، متى يشاء، كيف يشاء؟..
هنا تكمن المشكلة الكبرى.. حزب المؤتمر الوطني من فرط (اندغامه!!).. يسرق لسان الحكومة.. رغم أن الحكومة حكومته، ولديه فيها كثير من المتحدثين الرسميين الذين يستطيعون باسم الحكومة أن يقولوا نفس ما قاله مسؤول الحزب.. دون أن يحرجوا الحكومة..
بصراحة.. الأمر بلغ حد اليأس الكامل.. يأس من أن (ينتصح!) حزب المؤتمر الوطني ويقبل أن يمارس اللعبة السياسية من منصة واحدة مع بقية الأحزاب.. وفي تقديري أنه ليس لدينا نحن شعب السودان- مزيد من الوقت لنهدره في إقناعه بما يجب أن يمتثل به.
ومع ذلك تدهشني حكاية قياس الحرية (بالكيلوجرامات).. في العبارة التي وردت في الخبر والتي تقول: “أكد حزب المؤتمر الوطني أن قدر الحريات المتاح بالبلاد يفوق ما هو متوفر في الكثير من الدول التي تنادي بالديمقراطية”..
كيف يقيس حزب المؤتمر الوطني (قدر الحريات المتاح بالبلاد)؟ بالرطل أم بالكيلو؟
ما هو معيار (الحريات!)؟ كم عدد الندوات التي تقيمها الأحزاب في الشهر الواحد.. بل في العام..؟
حسناً فلندع الحديث عن الحريات العامة في العمل العام.. ولنزن (مثقال) الحريات داخل حزب المؤتمر الوطني نفسه.. ما هو حجم و(مقاس) الحريات داخل المؤتمر الوطني (شخصياً)؟ كم عدد الذين جرفهم التيار خارج أسوار الحزب لمجرد نطقهم بكلمة واحدة لا ترضي (الرأي الأول والأخير) في الحزب..؟
من الحكمة أن نحترم عقل الشعب، إن لم يكن في وسعنا احترام كرامته..!!
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]