الصادق الرزيقي

قصة موسى هلال «2 ــ 2»

[JUSTIFY]
قصة موسى هلال «2 ــ 2»

قلنا في الحلقة الماضية إن العلاقة بين والي شمال دارفور عثمان كبر والشيخ موسى هلال، لم تشهد دفئاً يقربهما، ولا صقيعاً مفرطاً يباعدهما إلى حد التغابن والتباغض.. وظلت في إطار التعاملات العادية والعلاقات الاجتماعية بين كل أهل دارفور، يتزاورون ويلتقون دون يدق بينهم عطر مِنْشَمِ.
وحدث في انتخابات عام 2010م تطور مهم ولافت للنظر، فقد ترشح موسى هلال في الدائرة الجغرافية لمحلية الواحة للمجلس الوطني وترشح كبر لمنصب الوالي، ويشهد الجميع قبيل الانتخابات بأيام وتحت ضغط من المؤتمر الوطني وتوجيهه، زيارة لموسى هلال للفاشر واجتماعه مع الوالي لساعات طويلة، أعلن فيها موسى دعمه لكبر وحثه كل مواطني محلية الواحة ومناطق كبكابية وكل بوادي القبائل العربية.
وبالرغم من أن موسى هلال ظل ينتقد أداء كبر باستمرار في تهميشه لمكونات الولاية الأخرى وخاصة القبائل العربية في بواديها، وطريقته في الحكم واستفراده بالقرار وانعدام الشورى وتبديده الأموال وظلمه لكثير من المناطق في حرمانها من مشروعات التنمية والخدمات، إلا أن تلك الانتقادات لم يكن يطلقها في الفضاء الإعلامي الفسيح، وحافظ على حدود الاحترام الذي كان قائماً.
وعندما وقعت أحداث جبل عامر عقب زيارة وزير المعادن السابق كمال عبد اللطيف والوالي كبر، كان موسى هلال خارج البلاد في زيارة استمرت لشهرين لدولة الإمارات العربية المتحدة، وفور عودته أطلق تصريحات اتهم فيها كبر بأنه وراء هذه الأحداث للهيمنة على المنجم وتشريد أهل المنطقة، ودمغه بإثارة الفتنة للسيطرة فيما بعد على كامل المنجم مع امتلاكه لأكثر من موقع في جبل عامر للتعدين التقليدي.
ونفى كبر تلك التهم في وقتها وتبرأ منها، وأصرَّ هلال عليها وتحداه علناً، وطالب الحكومة بتكوين لجنة للتحقق من اتهاماته لكبر، وكرر هذه الاتهامات أكثر من مرة ونشرتها الصحف ووسائل الإعلام، ووجدت صدى كبيراً في الولاية وفي السودان عموماً.
ومن تلك اللحظة بدأ الصراع يتكشَّف ويظهر مجلواً من كل ساتر، موسى هلال في الخرطوم وكبر في الفاشر، وحلبة الصراع كانت وسائل الإعلام والغرف المغلقة للحكومة والمسؤولين.
وحتى منتصف العام المنصرم، لم يكن هناك غير هذه الاتهامات والانتقادات الحادة، التي لم تجد حكيماً ووسيطاً متعجلاً يخمد لهبها في حينه، سواء من قيادة الدولة أو من قيادات دارفور حتى لا تستفحل، وقال هلال بنفسه في حوارات صحفية إنه وجد وعداً من قيادة الدولة بإجراء تغييرات في مناصب الولاة تشمل ولاية شمال دارفور.. وهدأ لفترة لكنه شعر بأن ذلك الوعد والقرار المرتقب قد تم الالتفاف حوله.. وعندها قرر السفر إلى باديته في شمال دارفور.. تاركاً الخرطوم دون وداع رسمي لكبار المسؤولين فيها، وقصد من ذلك إظهار تبرمه وعدم رضائه لتجاهل رأيه وما استند إليه من معلومات.
وفور وصوله الولاية انخرط في ترتيبات أهلية للصلح بين قبيلة البني حسين وأبناء عمومتهم من القبائل العربية على خلفية أحداث السريف وجبل عامر.. ونجح بالفعل في إجراء هذه المصالحات، وتمت على يديه الكثير من الأعمال الإيجابية التي تصب في خانة الاستقرار والسلام بالمنطقة، بشهادة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت تنسق معه على مستوى المنطقة.. وتوافدت عليه مجموعات كبيرة من سكان تلك المناطق، وعقدت مؤتمرات صلح أشادت بها القيادة العسكرية والأمنية في كبكابية وبعثة اليوناميد.
لكن انتقاداته لكبر لم تهدأ، وفي هذه الأثناء زار النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه الولاية يرافقه وفد حكومي كبير، واستغل الوالي كبر تلك الزيارة وبتأييد ورضاء ومباركة النائب الأول أصدر قراراً كيدياً قام بموجبه بشق الإدارة الأهلية لموسى هلال وعين ناظرين داخل القبيلة موازيين لموسى هلال في إدارة المحاميد التي صارت بهذا القرار منقسمة إلى ثلاث إدارات.
وأثار هذا القرار الولائي ردة فعل عنيفة داخل قبيلة المحاميد، وشعر هلال بأن سكين كبر تكاد تصل العظم منه، وشعر بأن الحرب بينهما صارت مكشوفة، فهذا والٍ يستخدم كل سلطان الدولة لقهره وتفتيت وحدة قبيلته، وهو قائد أهلي له دوره وتأثيره ومساهماته الوطنية التي رويت بالدماء من أجل تثبيت النظام الحاكم ومحاربة التمرد، وقدم هو وقبيلته مئات الشهداء منذ عام 2003م. وبدأ يجهر بموقفه من الوالي كبر، واتهمه بالقبلية والعنصرية وتسخير كل إمكانات الولاية لصالحه وزرع الفتنة بين أهلها، وانتقد الحكومة الاتحادية بالإبقاء عليه وهي تعلم كل أخطائه ومساوئ حكمه، بينما لاذ كبر في أغلب الأحيان بالصمت، لكنه كان يعمل وراء الاستار في تمرير التقارير الأمنية والسياسية ضد هلال واتهامه بالتمرد والعصيان.. وسخرت الآلية السياسية بالولاية وبعض الأدوات الخاصة من أجل دمغ هلال بموقف كهذا.. واستفادت حملة كبر الدعائية ضد موسى هلال من بعض مواقف الرجل وتصريحاته وانتقاداته للحكومة وتبنيه موقف الإصلاحيين في المؤتمر الوطني الذي كانوا ينشقون منه.
وبطبيعة الحال ظلت المحليات الغربية للولاية هي المجال الحيوي لتحركات هلال، الذي زار ولايات أخرى، وظل في تنسيق وضيافة الأجهزة العسكرية والأمنية أينما حل ورحل سواء أكان في ولايات وسط دارفور أو جنوبها أو شرقها وبالطبع في شمالها.. وطاف كل مناطق النزاعات في هذه الولايات وعاد لمنطقته مستريحة، والحكومة الاتحادية تعلم بتحركاته وتدعمه بالوقود وصيانة العربات وتوفر له كل احتياجاته باعتباره جزءاً منها ولسابقته في مواجهة التمرد.
وظلت الحكومة الاتحادية على اتصال دائم به في كل مراحل خلافه مع كبر، ودعته للعودة للخرطوم، لكنه لم يستجب بعد، رابطاً بين حضوره وإقالة كبر من منصبه.. وأرسلت له الحكومة عدة وفود لكنها لم تلفح في تغيير وجهة نظره.. ورغم الكثير من الاتهامات والمزاعم وقول بعض الشواهد على أنه تمرد على الدولة وصدرت تصريحات هنا وهناك من موجودين معه هناك مثل إسماعيل أغبش وأحمد أبكر ومصطفى الجميل وابنه حبيب تحدد شروطاً لعودته للخرطوم.. إلا أن الطقس في الخرطوم لم يزل مختلفاً وتلفه غيوم الحيرة حول قصة موسى هلال وأين الحقيقة فيها.. لكنها تظل كلها أموراً رهينة بعودته وبما يقوله هو في نهاية الأمر!!
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة