تصدير “الهيروين”
قرأت الخبر في معظم الصحف- أمس الأول.. وقلت في نفسي (أكيد الوزير سيصدر نفياً قاطعاً..) وكالعادة سيطلب من الإعلام (تحري الدقة).. لكن بكل أسف مضى يوم أمس أيضاً.. ولا نفي ولا يحزنون..
حسناً.. بهذا يكون الخبر صحيحا!!! هل قرأتم الخبر العجيب.. يقول نص الخبر الذي ورد في غالبية الصحف بنفس الصياغة تقريباً: “وزير التجارة الخارجية الأستاذ عثمان عمر الشريف يصرح بأن صادرات الصمغ العربي خلال الثلاثة أشهر الماضية بلغت ثلاثة مليارات من الدولارات”..
أي والله العظيم.. (الصمغ!) العربي.. وليس (الهيروين!) العربي..!!
يا سعادة وزير التجارة.. أولاً ليس لدينا صمغ عربي بهذا القدر.. صادراتنا من الصمغ لأكثر من عشر سنوات لا تقترب من هذا المبلغ الجسيم.. الذي يفوق تكلفة تشييد سد مروي..
ثانياً.. عدم نفي الخبر ولمدة يومين.. يقذف حجراً ثقيلاً في: إما معلوماتكم.. أو في معلومات وزارتكم.. أو وهو الأسوأ – في حساسية وزارة التجارة تجاه الأرقام..
بعض الأرقام تحتاج إلى مراجعة ومراجع للتأكد من صحتها.. لكن بعض الأرقام من هولها- لا تحتاج إلا إلى فطرة اقتصادية وسياسية سليمة لاكتشاف الخطأ فيها.. ومنها بالتأكيد الرقم الذي تفضلتم ببثه في أثير الأخبار..
من عندي.. ودون الرجوع إلى أي مصدر معلومات.. ولا حتى إلى (قوقل) أصحح لكم الرقم بكل يقين وأقول لكم هو (30) مليون دولار.. وليس ثلاثة مليارات دولار.. والفرق بين الرقمين كالفرق بين التجارة والنجارة..
وصدقوني.. الخطأ في الرقم ربما ليس مشكلة في حد ذاته.. لكنه يكشف (قيمة!!) المعلومة في وزارة التجارة وربما في غيرها من مؤسسات الحكومة.. فإذا كان خطأ فادح بمثل هذه الدرجة لا يقلق وزارة التجارة من وزيرها إلى خفيرها.. فلا ترسل بتصحيح عاجل.. فذلك يعني أن المعلومة.. من حيث هي معلومة لا قيمة لها.. يستوي المليون مع المليار.. والفدان مع الهكتار.. والدرهم مع القنطار..
وربما هذا يفسر سر (التكاليف الضخمة) لمشروعات الحكومة.. طالما أن الأرقام لا تعني شيئاً..
على كل حال.. لمصلحة القارئ الكريم.. إجمالي صادراتنا من الصمغ العربي في حدودها الدنيا حوالي (100) مليون دولار.. وقد تصعد إلى (300) مليون دولار في العام في أفضل الأحوال..
لكن بكل تأكيد.. هذه الأرقام نحن قادرون على رفعها إلى أضعاف ذلك إذا زاد الاهتمام بتطوير زراعة وتصنيع الصمغ العربي محلياً.. وأهمية الصمغ العربي ليس فقط في إيراداته بالعملة الصعبة.. بل لأنه غطاء شجري يساهم في تنمية البيئة بشكل عام.. كما أنه إحدى أنجع أدوات (مكافحة الفقر) لارتباط مواقع إنتاجه بحزام الفقر في السودان..
ويكفي للتدليل على أهمية هذا المنتج الذي ينفرد ويتميز به السودان.. أننا صدرنا رغم أنف المقاطعة الاقتصادية الأمريكية إلى أمريكا في العام الماضي 2013.. أكثر من (100) مليون دولار..
سيدي وزير التجارة.. مع كل ما فاتكم.. أرجوك سارع بتصحيح الخبر.. لأنه سرى في الوكالات والصحف ومواقع الإنترنت.. بصورة مضرة بنا جداً- ..
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]