الدستور.. دستورنا
نشرت صحيفة السوداني أمس تصريحاً للبروفيسور إبراهيم غندور قال فيه إنه (لا اتجاه لإقالة بعض الولاة).. بصراحة الأمر يدعو للعجب والحيرة الشديدة.. نفي البروف غندور يكشف مشكلة حقيقية كبرى هي سبب كل (بلاوي) هذا البلد المبتلى..
لو قال غندور (الدستور لا يسمح بإعفاء الولاة).. لأطل المعنى الحميد لدولة تحترم الدستور والقانون.. وتدرك أن لكل سلطة محددات.. لكن غندور بنفيه أكد جرأة حزب المؤتمر الوطني على الدستور والقانون.. جرأة تطأ على نصوص الدستور والقانون بمنتهى الأريحية.. ويصبح الحديث عن دستور جديد وإصلاح سياسي وكل هذه المترادفات التي يروج لها الآن.. هي محض أوهام..
وما يحرني فعلاً.. أن أفضل ما في دستور السودان للعام 2005 الذي يحكم الدولة الآن.. هو أنه يمنح مواطني كل ولاية حق انتخاب (الوالي) والمجلس التشريعي انتخاباً (مباشراً!!).. ويصبح بذلك (الوالي) محصنا ضد أي قرارات مركزية.. إذ لا يمكن إقالة الوالي بقرار من أي جهة خارج ولايته.. إلا وفق إجراء دستوري معلوم.. بالتحديد سحب الثقة بتصويت (ثلثي) المجلس التشريعي للولاية.. وينص الدستور على أنه في حالة سحب الثقة من الوالي تجرى انتخابات جديدة لاختيار وال جديد.. ويتاح للوالي المقال المشاركة فيها.. فإذا فاز الوالي المقال بثقة جماهير الولاية وأعيد انتخابه مجدداً.. ينص الدستور على سقوط الثقة في المجلس التشريعي ويصبح محلولاً تلقائياً..
لكن إذا كان قرار إقالة الولاة.. أمرا لا ينقصه إلا موافقة المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني.. فهنا يصبح الدستور مثل (صنم العجوة) في قصة سيدنا عمر بن الخطاب الشهيرة.. عندما جاع أكله..
وإذا كان المؤتمر الوطني قادرا على (خرق الدستور) نهاراً جهاراً.. بمثل هذه الجرأة دون أن يطرف له جفن.. وليس خرقاً ضد حزب آخر.. بل ضد ولاة اختارهم هو بمحض إرادته وقدمهم للجمهور واحتفل بفوزهم.. إذا كان كل ذلك لا يمنع (خرق الدستور).. فلماذا إذاً، نضيع الوقت في صناعة دساتير لا يحترمها حتى من صنعوها بكامل إرادتهم..
(سيادة القانون) هو عنوان أي دولة عصرية محترمة.. لأنه يمنح المواطن والأجنبي حرمة خاصة لا يخشى على نفسه إلا إذا تقاطع مع نصوص القانون.. لكن عندما يصبح الدستور والقانون مجرد (حالة) اختيارية. رهن مزاج أو قرارات المكتب القيادي للمؤتمر الوطني.. هنا تصبح الدولة كلها تحت طائلة الأحكام العرفية.. وقانون الطوارئ..
ليتني يوماً واحداً أقرأ أو أسمع تصريحاً لمسؤول حكومي أو سياسي.. يقر فيه بأن الدستور أو القانون يمنع فعلاً معيناً.. الإحساس العام لدى الجميع أن السلطة حدودها (The sky is the limit).. كل شيء قابل أن يكون أو لايكون رهن إرادة من يريد أن تكون أو لا تكون.. وليس وفق مرجعية دستور أو قانون هو (العقد الشرعي!!) بين الحاكم والمحكوم..
حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]