الصادق الرزيقي

الإعلام المصري والهذيان المجنون

[JUSTIFY]
الإعلام المصري والهذيان المجنون

لا ندري لماذا يشن الإعلام المصري هجوماً مسعوراً على السودان وعلى زيارة أمير دولة قطر للخرطوم؟ وكأن مصر وصية على السودان تسمح له باستقبال من تريد ولا تبيح له أن يفتح ذراعيه لمن لا تحب، فقطر دولة عربية شقيقة مسلمة ليس هناك ما يمنع توطيد علاقتها بالسودان وزيارة قيادتها له أنى شاءت. وليس من حق القاهرة ولا أية جهة أخرى فوق هذه البسيطة أن تملي على السودان ما يفعل وتفرض عليه إرادتها أو تمضي فيه مشيئتها.. فالسودان بلد حر مستقل يسالم من يسالمه ويعادي من يعاديه، ولا دخل لمصر بعلاقاته الخارجية كيف يوجهها ويديرها.
ولا يوجد أي مبرر لحالة «الردحي» المصري بشأن هذه الزيارة، كما أن السودان منذ البداية لم يشأ أن يتدخل في الشأن المصري، وعلى مصر الرسمية أو وسائل الإعلام القاهرية ألا تتدخل في الشأن السوداني بهذه الطريقة السافرة التي تمثل استفزازاً للسودانيين وتحقيراً لهم، وهو ما لا يرضاه أي سوداني مؤيد للحكومة أو معارض لها.
فزيارة أمير دولة قطر زيارة أخوية ضمن جولة عربية شملت دولاً عدة من بينها المملكة الأردنية الهاشمية وتونس والجزائر، فبكل المقاييس لم تكن ولن تكون زيارة موجهة ضد مصر أو تتضمن أجندة تضمر لها الشر، وحسب المعلومات المتوفرة من الاجتماعات المشتركة السودانية القطرية برئاسة المشير عمر البشير وضيفه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لم يتم التطرق للشأن المصري على الإطلاق، وكانت المباحثات بين الجانبين قد تمحورت حول العلاقات الثنائية وآفاق التعاون في المجالات الاستثمارية والاقتصادية وقضية دارفور، فليس من الحصافة السياسية ولا الأخلاق ولا الكياسة، أن ينطلق عمل عدائي ضد مصر مهما كان نظامها من الأراضي السودانية، كما لا يمكن لقطر بحسها القومي وفطنتها السياسية أن تورط السودان وتتورط في مثل هذه الأعمال التي عفى عليها الزمن في مضمار العلاقات الدولية.
لقد انتهى عهد المحاور والتكتلات والتجمعات التي تكيد لبعضها البعض، والمؤامرات والدسائس التي لا تجوزها الأخلاق السودانية المعروفة ولا تتعامل معها وبها القيادة القطرية التي لم تقل إلا خيراً وهي تهبط أرض السودان وتغادره إلى تونس.
من المؤسف أن تكون دولة قطر بعبعاً وهاجساً لمصر ووسواساً قسرياً مستمراً، فبمقياس الحجم قطر دولة صغيرة الحجم وضئيلة عدد السكان ولا يمكن مقارنتها بمصر بأي حال من الأحوال، ولا تجربتها تضاهي التجربة المصرية التي يدعيها إخوتنا في شمال الوادي بأنهم أبناء حضارة عمرها سبعة آلاف سنة، وعمر الدولة المصرية لا يمكن مقارنته بعمر الدولة في كل دول الخليج العربي بما فيها قطر.
فلماذا هذه الحساسية المميتة والحالة المرضية التي أصابت الإعلام المصري من كل ما هو قطري وما هو سوداني؟
إذا كان الخوف المصري ناتج عن المزاعم والأكاذيب بأن زيارة الشيخ تميم هدفها إقناع السودان باستقبال قيادات الإخوان المسلمين في أراضيه، فما أبأس هذه العقلية التي تتصور هذا الكلام الفارغ.. فقيادات الإخوان المسلمين في مصر موجودة داخل بلدها وتواجه الضغط عليها والتنكيل بها، وكل هذه القيادات داخل السجون يواجهون التعذيب والقتل اليومي. ولم تثبت ولو حالة واحدة لأي شخص أو عضو دعك من القيادات يتبع لجماعة الإخوان المسلمين لجأ للسودان أو طلب الإجارة أو فرَّ بدينه من هناك، وتعلم السلطة القابضة على زمام الأمر والمتحكمة في أنفاس المصريين ذلك، فكل الأجهزة المصرية الرسمية تعلم علم اليقين أن السودان لم يقم بأي عمل عدائي ضد مصر، ولم تشتك الحكومة الحالية في مصر من أي عداء سوداني أو تدخل في شأنها الداخلي.
لكن مقابل ذلك ظلت مصر الرسمية هي التي تحتضن المعارضة السودانية وخاصة الحركات المسلحة التي تقتل الأبرياء وتخرِّب المنشآت وتدمر البنيات التحتية وتنشر الرعب في كل ربوع دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
على الإعلام المصري الذي يهذى كالمجنون، أن يهدأ قليلاً.. فليس السودان مهيض الجناح وغير قادر على الرد، لكنه يترفَّع عن الصغائر وينظر لما هو أعمق وأبعد.. ولكن إن تعاملوا معه بطريقة الخديوي إسماعيل فإنه بدون شك سيتعامل بطريقة المك نمر.. كما قال وكتب د. سليمان عثمان قبل ربع قرن من الزمان.
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة