تمويل الإنتخابات : بين الواقع والخيال..!!
«مبالغ فيها وخيالية» كان ذلك تعليق الأمم المتحدة على الميزانية المرصودة للإنتنخابات المقبلة التي قدرتها الخرطوم بأكثر من مليار دولار، وطلبت الأمم المتحدة على لسان مساعد الأمين العام إعادة النظر في تلك الميزانية، وأبدت المنظمة استعدادها لإرسال خبراء فنيين للخرطوم للمساعدة في وضع ميزانية معقولة ومقبولة. وأرجعت الأخبار رفض الأمم المتحدة تلك الميزانية بسبب مقارنتها بتكلفة الإنتخابات التي جرت بالكنغو الديمقراطية ولم تتجاوز ميزانيتها الـ (500 ) مليون دولار، مع ملاحظة الوضع الأمني المتدهور هناك مقارنة مع السودان حسب تقديرات المنظمة.
وكانت تقديرات تقترب من هذا الرقم قدمها د. عمر القراي الناشط السياسي بندوة صحيفة «أجراس الحرية» الأسبوع قبل الماضي وحدد القراي (550 ) مليون دولار ميزانية لقيام الانتخابات واضعاً في الاعتبار أن منظمة الأمم المتحدة قدمت (68 ) مليون دولار للمفوضية القومية للإنتخابات لتسيير أعمالها ودعم برامج توعية الناخبين وتعريفهم وتثقيفهم بمطلوبات الإنتخابات القادمة التي تتطلب أن يصوت الناخب في شمال السودان على ثماني بطاقات إنتخابية، ويصوت الناخب الجنوبي على إثنتي عشرة بطاقة إنتخابية. كما تحتاج الأحزاب لتدريب كوادرها للمساعدة في توعية جماهيرها لأن أي خطأ صغير يتلف البطاقة وتصبح خارج حسابات المنافسة، لذا بح صوت الأحزاب وهي تطالب الحكومة بتمويلها ودعمها المالي، بينما يشدد طرفا نيفاشا على رفض مقترح تمويل الإنتخابات، واعتبرا الأمر يقع على عاتق المجتمع الدولي وجزء أصيل من التزامات المانحين، ورفضت حكومة الجنوب أن يستقطع جزء يسير من عائدات البترول من نصيبها لتمويل الإنتخابات
وفي وقت مبكر رفض المؤتمر الوطني الفكرة بحساب كثرة الأحزاب، وتعلل بعدم الإستطاعة وقد بلغ عدد الأحزاب التي يحق لها المشاركة في الإنتخابات القادمة (68 ) حزباً. إلا أن تصريحاً نسب الى د. كمال عبيد علي أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني ووزير الدولة بوزارة الإعلام والإتصالات، ألمح فيه الى إمكانية التوصل لاتفاق بينهم والقوى السياسية لتحقيق مطالبتها بتكفل الدولة بتمويل العملية الإنتخابية. واعتبر كمال أن مطالبة القوى السياسية الحكومة بتمويلها يعبر عن جديتها وروحها الوطنية وقال إنهم يرحبون بأي ترتيبات لذلك لتجنيب البلاد التدخلات الخارجية.
وكانت الحركة الشعبية تعرضت لحملة إعلامية شرسة حين تسربت وثيقة للصحافة جاء فيها أن الأمين للحركة باقان أموم تقدم بمطالب للخارجية الأمريكية من بينها تمويل الحركة الشعبية في الإنتخابات المقبلة.
كما ذكرت الصحف بالخرطوم توقيع اتفاق بين الحكومة ووكالة التنمية الأمريكية بحضور القائم بالأعمال الأمريكي السابق البرتو فرنانديز بلغت قيمته (52) مليون دولار لتمويل الإنتخابات.
والمفوضية القومية للإنتخابات تضع ميزانيتها دون تدخل الحكومة، إلا أن مراقبين يحذرون من التمويل الخارجي من أية جهة كانت.
وفي بيان للحزب الشيوعي نشره العام الماضي، اقترح أن يقوم المرشحون والأحزاب بالتمويل الذاتي لحملتهم الإنتخابية على أن تقوم الدولة بإعفائهم من مدخلات الطباعة والأدوات والأجهزة التي يحتاجها المرشح في سبيل القيام بالدعاية الإنتخابية. كما اشترط الشيوعي على حزب المؤتمر الوطني باعتباره ماسكاً بمقاليد السلطة عدم تسخير إمكانيات الدولة من عربات وغيرها من معينات في العملية الإنتخابية، ومن بين المقترحات التي قدمها الحزب الشيوعي أن تحدد الحكومة سقفاً أعلى لصرف كل مرشح على أن تتم مراجعة ذلك بواسطة المراجع العام، وأن يتم تمويل اللجنة القومية للإنتخابات من قبل الحكومة وفق ميزانية تتم مراجعتها بواسطة المراجع العام على أن تعرض على المجلس الوطني للموافقة عليها.
وفي عدة منابر قدم د. حيدر ابراهيم مدير مركز الدراسات السودانية ملاحظات عن أمر تمويل الإنتخابات، وأفاد بأن مسألة التمويل منها المشروط وغير المشروط تنطبق على كل منظمات المجتمع المدني. أما بالنسبة للأحزاب فمن الصعب أن تكون عملية التمويل أمراً مشروعاً.
وفي ظل تهديد بعض الأحزاب بمقاطعة الإنتخابات وتشكيك الحركة الشعبية في نتائج التعداد وعدم قبول القوى السياسية بالدوائر الجغرافية التي أعلنت، وحديث ممثل الأمين العام للأمم المتحدة روي لوروا عن مخاوف بعدم مشاركة إقليم دارفور في الإنتخابات المقبلة، عدّ مراقبون كل ذلك من الصعوبات التي قد لاتشجع المانحين بتمويل الإنتخابات، وقد يكون تأجيل الإنتخابات أمراً واقعاً بسبب التمويل.
أم زين آدم :الراي العام