عقوبات واشنطون على السودانيين.. الترابي وعلي الحاج في الدوحة.. الحركات السالبة ومحمد قطب يلحق بأخيه
كلنا في الهم
في الوقت الذي تطأ فيه أرجل السيد سلفا كير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان الخرطوم صباح اليوم، تكون لعنة العقوبات التي أجازها يوم الخميس وسمح بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على دولة جنوب السودان وتطول حكوميين ومتمردين، قد وجدت طريقها للنفاذ، وتمنع واشنطون بموجبها مسؤولين حكوميين في دولة جنوب السودان وقيادات من التمرد من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية وعدم إعطائهم تأشيرات دخول، بالإضافة إلى تجميد أرصدتهم وحساباتهم البنكية بجانب عقوبات أخرى..
وغفلاً عن الزيارة وما يجري فيها، لا بد للسيد سلفا كير أن يتعلم من السودان، كيف واجه مثل هذه العقوبات الأمريكية لمدة خمسة وعشرين عاماً حين كانت محدودة وبعضها غير معلن وظلت تتوالى حتى بلغت ذروتها عام 1998م، وأطبقت واشنطون راحتيها على عنق السودان وأرادت خنقه وكتم أنفاسه ليموت جراء هذا العقاب الطائش.
إذا طبقت واشنطون عقوباتها على دولة جنوب السودان، وهي الدولة الوليدة التي هللت لها الإدارة الأمريكية ورعتها في حداثتها وحلمت بها، فيتعين على جوبا أن تبحث منذ الآن عن بدائل سريعة وتقوي إرادتها في مواجهة مثل هذه العقوبات، ولتتعلم من تجربتنا في الصمود والصبر وكيفية مواجهتها، فهي تبدأ هكذا لكنها تتصاعد، وإذا لم تعد جوبا طائعة مختارة لبيت الطاعة الأمريكي، فمواقف جوبا الأخيرة بعد اندلاع الحرب واعتقال عدد من القيادات السياسية الجنوبية «باقان أموم، دينق ألور، كوستا مانيبي، وياي دينق ومجاك» وبقية مجموعة السبعة والثلاثة عشر، وهم «أولاد قرنق» وحلفاء واشنطون وربائبها في الجنوب، أغضبت الدوائر الأمريكية من تصرف حكومة الجنوب وزاد من حنقها موقف جوبا من بعثة الأمم المتحدة وموقفها من هليدا جونسون ممثل الأمين العام العام للمنظمة الدولية في دولة جنوب السودان التي اتهمتها حكومة الجنوب بمناصرة المتمردين وخرجت التظاهرات المنددة بها والمطالبة بطردها، وهيلدا جونسون عند واشنطون هي الرحم الذي وضعت فيه بويضة دولة الجنوب وتم تخصيبها حتى الولادة، وتم تعيينها في منصب ممثل الأمين العام لتكون المرضعة والراعية القريبة للدولة حديثة الولادة في إفريقيا.
مع كل ذلك فإن الغرض من هذه العقوبات الأمريكية التي فتح لها الطريق الرئيس أوباما، هي تنظيف الساحة وتهيئة المجال لما يسمى الطرف الثالث وهو مجموعة «السبعة» لتولي قيادة دولة الجنوب، فواشنطون تريد إبعاد طرفي الصراع من الساحة السياسية والحكم، فهي لا تريد سلفا كير ومجموعته ولا مشار وزمرته، فما يجري هو تغيير اللاعبين من على خشبة المسرح الجنوبي.. وإفراغ رقعة الشطرنج حتى يعاد ترتيبها من جديد.
وسلفا كير في الخرطوم يعلم ويعرف كيف تواجه هذه العقوبات.. فهناك عبرة لمن يريد أن يعتبر.. فالعقوبات لا تخيف أحداً.
ماذا يفعل الترابي في الدوحة؟
لم يلبث د. الترابي بعد عودته من ملتقى أم جرس في تشاد، إلا ساعات محدودة حتى طار إلى الدوحة، وبدأ نشاطاً مكثفاً هناك، والتقى بعدد من المسؤولين القطريين، وشارك في فعاليات مختلفة هناك، ود. الترابي ونائبه في المؤتمر الشعبي د. علي الحاج التقيا في العاصمة القطرية حيث وصل الأخير إليها من مهجره في ألمانيا، مما يشير إلى أن الترتيبات في الداخل السوداني هي الأساس في الزيارة ومقدم علي الحاج.
هناك شيء يجري طبخه على نار هادئة يتم، ويجري وضع اللمسات الأخيرة عليه، ستكشف عنه الأيام القادمة، وليس غريباً صدور تصريحات من د. علي الحاج حول الشأن الداخلي وعن عودته، ولا يكاد يمر يوم أو يومان دون أن ترد إشارة في هذا الصدد، فما الذي يجري وراء كل هذه الأستار والغرف المغلقة؟!
خطر الحركات السالبة
في المؤتمر التداولي الذي اختتم أمس لمديري أجهزة الأمن والمخابرات للدول الأعضاء بمنطقة البحيرات العظمى في إفريقيا، تم التركيز على ضرورة مواجهة وكبح واستئصال خطر الحركات السالبة التي تعيق السلام والاستقرار والتنمية في كل الإقليم.
وهذا الخطر هو مسؤولية الإقليم والقارة كلها، وقد عانت إفريقيا وبلدانها خاصة منطقة البحيرات العظمى من النزاعات المسلحة وحركات التمرد التي تتحول من حالة رفض سياسي إلى تدمير وتخريب لمنشآت الدولة ونهب ممتلكات المواطنين وتدمير البنى التحتية وإعاقة العمل في المشروعات التنموية وكسر دورة الحياة الطبيعية للمجتمع.. وما يحدث عندنا في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان خير دليل على ذلك.
لكن الملاحظة أن التسمية ربما لا تحمل المعنى المقصود بشكل واضح، فكلمة الحركات السالبة ليست توصيفاً دقيقاً لحركات التمرد والمجموعات المسلحة، فالسالب مقابله موجب، فهل هناك حركات موجبة؟ والأفضل أن تحدد التسمية وفق المتعارف عليه، بوصمها بالإرهاب والتمرد.. وتتحمل دول المنطقة الأعضاء مسؤوليتها كاملة في مواجهة هذه الحركات، ومن المحير أن دولاً أعضاء تستضيف حركات «سالبة» ضد دول أخرى أعضاء في ذات المنظمة، فهل تمهد مثل هذه المؤتمرات لفهم مشترك لهذه القضية المعقدة والوصول لحل نهائي لها حتى نقدم لبقية أقاليم القارة السمراء والعالم كله تجربة جديرة بالاحتفاء في التعاون المثمر والبناء وتثبيت الثقة وجدواها من أجل رفاهية وأمن الشعوب.
محمد قطب في ذمة الله
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وفي نصفها الأول، كنا نختلف إلى عدة مكتبات ضخمة في مدينة نيالا، مكتبة المهندس داؤد يحيى بولاد ومولانا عثمان الهضيبي ومكتب الأخ علي محمود محمد، لنستلف ونأخذ أهم المؤلفات في الفكر الإسلامي الحديث، وكانت كتب الشقيقين هي الأثيرة لنا ونحن في مرحلة التكوين الأولى لأفكارنا ومسارات حياتنا.. الشهيد سيد قطب وشقيقه المغفور له محمد قطب الذي توفي أمس الأول بمكة المكرمة بعد أن عاش «95» عاماً قضاها في رحاب الدعوة الإخلاص لدين الله.
ولا يمكن أن تعرف المفكرين الأفذاذ أصحاب العزائم الكبرى إلا من خلال فكرهم وكتاباتهم، فقد كنا نلتهم كتب محمد قطب التهاماً.. «دراسات في النفس الإنسانية، منهج التربية الإسلامية، شبهات حول الإسلام، منهج الفن الإسلامي، دراسات قرآنية، جاهلية القرن العشرين، معركة التقاليد، في النفس والمجتمع، هذا هو الإسلام، كيف ندعو، التفسير الإسلامي للتاريخ» وغيرها من الكتب التي كان بعضها عصيَّاً على عقولنا في تلك الفترة.. وكان فكره كأنه مكمل أو امتدادات لفكر أخيه الشهيد سيد قطب.
فودع الدنيا وغادر هذه الفانية المفكر الفذ محمد قطب الذي عاش في بلد الحرمين زمناً طويلاً، وظل فكره متقداً لم يفته شيء.. فكتب عن كل قضايا العالم الإسلامي وفي الجهاد الأفغاني ومأساة البوسنة والهرسك وقضايا المجتمع وهموم الأمة المسلمة، وذهب إلى ربه وبلده مصر تحولت لبحر من دماء الصادقين والأبرياء وحملة لواء الإيمان، فأسرة قطب عانت ما عانته وقدمت الدماء.. فها هو محمد قطب يلحق بإخوته ونحسبه في الجنات العلا مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة