عثمان ميرغني

الفرصة ما بعد الأخيرة

[JUSTIFY]
الفرصة ما بعد الأخيرة

للمرة الثانية تجتمع اليوم القوى الحزبية في قاعة الصداقة.. بدعوة من حزب المؤتمر الوطني.. وللمرة الثالثة ينتظر الشعب السوداني ليرى (النوايا).. فإذا انفض اجتماع اليوم بعد الخطب الرنانة دون أن يصدر قرار واضحاً لا لبس فيه، يعلن إطلاق الحريات العامة فإن آخر فرصة أمام (الحوار) تتبدد في هواء الإحساس العام بالتذاكي وإضاعة الوقت و(تشتيت الكرة)..

حزب المؤتمر الوطني حساباته خاطئة.. يظن أن ضعف المعارضة السودانية يصب في ميزان حسناته ويطيل عمره.. لكنه ينسى أن أقوى (معارضة) الآن ليست هي أحزاب المعارضة.. بل الحال (المائل) للسقوط مثل تفاحة (نيوتن) بفعل الجاذبية الأرضية.. أقوى معارضة للوطني هي أخطاؤه الجسام التي ما انفك يرتكبها في كل يوم تشرق فيه الشمس..

أعلم تماماً أن حزب المؤتمر الوطني من فرط اعتلاله صار مثل المريض الذي لا يقدر على العيش بعيداً عن جهاز التنفس الصناعي.. غير قادر على استنشاق (الهواء الطلق) الذي توفره أجواء الحريات والتعبير المفتوح.. نسمات الهواء الطلق تؤذي رئتيه..

لكن الوضع لم يعد يحتمل.. إما أن يمارس الوطني فضيلة الإقرار بالخطأ ويتدارك أمره بكل شجاعة ويدرك أن الملك لله يهبه من يشاء وينزعه ممن يشاء.. أو في كل الأحوال فإن سنة الله في الكون ماضية مهما تحاشاها طالبو الخلد..

حرية التعبير والعمل السياسي مبدأ وحق أصيل منصوص عليه في الدستور الذي يحكم البلاد الآن، والإصرار على تجاهل هذا الحق يعني أن الحكومة لا تعترف بحق الشعب في حكم نفسه والسيادة على أرضه.. أو أنها تفترض أنه شعب قاصر.. غير قادر على تدبر أمر بلاده، فهو تحت الوصاية الضيقة من حزب المؤتمر الوطني ..

في تقديري أنه ليس من الممكن انتظار المؤتمر الوطني أكثر مما انتظرناه ليطلق سراح وضمير الشعب السوداني وعلى الاأحزاب كافة أن ترهن الحوار (بالحرية!).. فالمكبل بأغلال الكبت لا إرادة له..

الحوار يبدأ بفك أسر الضمير الحر.. أما حدوتة (تعالوا نقتسم الكراسي) فلم تعد تخدع أحدا، لأن الشعب بات يدرك أن المشكلة ليست في من يحكم بل في كيف يحكم.. جرب كل الأحزاب.. وانتهى إلى هذا الحضيض الذي يكابده اليوم..

الشعب السوداني من أكثر شعوب الأرض استنارة ووعياً (إلا إذا كان للحكومة رأي غير ذلك) فما الذي يمنعه من ممارسة حقه الدستوري في التعبير الحر؟.. لماذ يتحجج حزب المؤتمر الوطني بحكاية (الاستثناء) ويصر على أن الحرية تفتك بالشعب وعبودية الضمير تضمن له الحياة؟..

الشعب كله ينتظر أن يسمع اليوم كلمة ترد له حقه في حرية العمل السياسي المفتوح على مصراعيه بلا وصاية.. فإذا انتهى لقاء اليوم بتكوين لجان محشوة بعجوة السلطة وحوار الطرشان.. فإن الفرصة ما بعد الأخيرة تكون هي الأخرى طارت..

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]