تــــورط الأمم المتحــــدة.. وطــيب يا خطـــيب .. محمــد داؤود الخليفـــة
الدعم المزدوج
منذ اندلاع الحرب في دولة جنوب السودان بين طرفي الحكم المتخاصمين واعتقال المتورطين في الانقلاب ضد الرئيس سلفا كير، اتخذت حركات دارفور المتمردة موقفاً مغايراً لكل التوقعات، وانحازت للطرف الحكومي، وكانت في الفترة ما قبل الحرب والانقسام داخل الحركة الشعبية، هي الأقرب والحليف الرئيس للجناح المتمرد بقيادة د. رياك مشار ومجموعة أولاد قرنق التي يقودها الأمين العام للحركة باقان أموم ومن بينها عراب الحركات والمتمردين السودانيين حاكم ولاية الوحدة السابق تعبان دينق، الذي أشرف بنفسه عندما كان يحكم ولاية الوحدة في بانتيو على تدريب وتسليح ودعم قطاع الشمال والفرقتين التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي، وإنشاء الجبهة الثورية وإيواء وإسناد حركات دارفور المتمردة.
وانقلبت الأمور رأساً على عقب، بعد نشوب الحرب في دولة الجنوب، وقدرت الحركات المتمردة السودانية وقطاع الشمال مصالحها، وتحت الضغط اليوغندي اختارت أن تكون ضد حلفائها التاريخيين والطبيعيين داخل حكومة الجنوب.
وكانت حركات دارفور خاصة حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، تحاول تأكيد ولائها لجوبا وكمبالا، وإن تخلت عن حلفاء الأمس وواتتها الفرصة في نهاية يناير وبداية فبراير الماضي، عندما هاجمت مدينة بانتيو ومناطق في ولاية الوحدة سقطت في أيدي مجموعة مشار، وشاركت في استرداد مدينة بور، ونهبت حركة العدل والمساواة البنوك وممتلكات المواطنين في بانتيو، وسمعت من تعبان دينق في أديس أبابا في فبراير الماضي قوله عن مشاركة العدل والمساواة في الحرب لصالح جوبا: «لقد نهبوا حتى شبابيك البيوت وعدة النسوان».
وما نشر عن أخبار في الصحف يوم أمس عن قيام متمردي جنوب السودان بالهجوم على معسكرات للعدل والمساواة ومهاجمة وتدمير شحنات أسلحة كانت مرسلة إليهم عبر قوافل الأمم المتحدة، يؤكد شيئين.. أولهما: أن بعثة الأمم المتحدة هي التي تمد حركة العدل والمساواة بالسلاح والمؤن العسكرية لزعزعة الأمن والاستقرار في السودان ومناطق في جنوب السودان على السواء، والشيء الثاني أن دور الأمم المتحدة وبعثتها المشكوك فيها أصلاً في دولة الجنوب، تلعب لعبة قذرة بدعم وتوجيه الحرب من الجانبين، فقبل فترة اتهمت دولة الجنوب بعثة الأمم المتحدة بأنها تسرب أسلحة عبر قوافلها للمتمردين الجنوبيين، وخرجت تظاهرات في جوبا ضد البعثة وتطالب بطرد السيدة هيلدا جونسون ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة من أراضي دولة الجنوب، فيبدو أن اللعبة المزدوجة تمارس بالمكشوف اليوم في الجنوب بدعم الطرفين، فضلاً عن كون البعثة الأممية غير نزيهة ومتورطة وغارقة حتى أذنيها في قتل الأبرياء وإدامة خطر الحرب وشراستها.
فقيام المتمردين الجنوبيين بتدمير قافلة الأسلحة التابعة للأمم المتحدة وهي في طريقها إلى معسكرات حركة العدل والمساواة، جريمة حرب ترتكبها المنظمة الدولية وتستحق التحقيق والمساءلة والحسم الفوري.
أما الأهم من هذا كله أن دولة الجنوب التي وجدت من حكومة السودان تفهماً وتعاوناً كاملاً في المحافظة على شرعية الحكم فيها، قابلت الحسنة بالإساءة واستمرت في دعمها للحركات المسلحة وتساندها ضد السودان، والذي يجب أن تعلمه جوبا أن السودان قادر على رد الصاع صاعين إن أراد ويمكنه أن يدعم متمرديها، وإن فعل ذلك ستتغير الأوضاع على الأرض بسرعة وستنهار جوبا في ساعات، لكن السودان يقدر الأمور لاعتبارات أخرى كثيرة، ويعلم أن هذه النار ستحرق كل دولة الجنوب، فعلى جوبا أن تكف عن اللعب بالنار.
وطيب يا خطيب
التصريحات التي نشرت في الصحف أمس منسوبة للسيد محمد مختار الخطيب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني المقاطع للحوار، تثير كثيراً من الأسئلة حول موقف الحزب الأخير وابتعاده عن الخط الوطني العام، فقد قال الخطيب: «إن قرار البشير يعتبر خطوة للأمام لعملية الحوار الوطني.. وندعو لفتح الطريق لكل الأحزاب لممارسة أنشطتها بحرية كاملة، وأن إلغاء القوانين المقيدة للحريات يسهم في تقريب وجهات النظر، ولا بد من عقد مؤتمر دستوري يشارك فيه الجميع دون إقصاء لأحد يناقش فيه مشكلات البلاد»، هذا ما قاله الخطيب ونشرته الصحف، فهل هناك خلاف بين هذا القول وما يجري بالفعل في الساحة السياسية؟ فمادام قرار الرئيس بإطلاق الحريات العامة والسماح للأحزاب بممارسة نشاطها كاملاً داخل وخارج دورها إلا ما يخالف القانون وإطلاق حرية الصحافة ودعوة الحركات المسلحة للمشاركة في الحوار وتوفير الضمانات لهم، فما الفرق بين ما حدث وما يطالب به الحزب الشيوعي، وسكرتيره العام يتحدث ويطالب بما هو قد حدث بالفعل؟.. فلماذا بعد كل هذا يصر حزب الخطيب على أن يكون خارج الحلبة وبعيداً عن دائرة الحوار.. لقد ملَّ الشعب السوداني هذه المواقف المتناقضة والمزايدات السياسية غير ذات الجدوى.. فعلى الحزب الشيوعي أن يكون له موقف واضح، إما أن ينخرط في الحوار الوطني الذي بدأ وتمت فيه تلبية مطالب القوى السياسية، أو يعزل نفسه ويتحلى بفضيلة الصمت ويسكت عن الكلام المباح وغير المباح.. فقد ولى زمن الخداع واللعب على كل الحبال!!
محمد داؤود الخليفة
بعد حياة مليئة بالمثابرة والعطاء قضاها في العمل الوطني، رمزاً شامخاً لم يتزحزح ولم يتلوَّن، ظل كما هو وطنياً أصيلاً، لم يكتب في تاريخه أن حارب البلاد من خارجها عندما يعارض أو يخون وطنه في ساعات العسرة، وكان محباً للتراب الذي روي بدم جده الخليفة عبد الله ود تورشين وجموع السودانيين والأنصار، وكانت له حساسية منفرطة من التزلف للأجنبي ومحاربة الأنظمة الوطنية بمعاونة الخارج، فتلك روح تسري في بدنه ودم يجري في عروقه من ذلك التاريخ التليد.
كان محمد داؤود علماً من أعلام السياسة والحكم والعمل العام، وكان رمزاً من رموز العمل الصيرفي الزراعي في السودان، وكانت له مفاهيمه الخاصة ومواقفه المبدئية التي لم تتغير مع الحقب والسنوات، وتميز قلبه بالصدق وما في قلبه يجري على لسانه، وكان حريصاً على أن تظل جذوة الوطنية متقدة وذات لهيب، وليس أدل على ذلك من دأبه لسنوات على الاتصال بالصحف والكتاب لتذكيرهم بالمناسبات الوطنية الكبرى، وكتاباته سواء أكانت عن فتح الخرطوم في 26يناير 1885م أو معركة أم دبيكرات أو استشهاد السلطان علي دينار أو الثورات الوطنية التي ثارت ضد المستعمرين في الحقبتين التركية والإنجليزية.
وترك هذا الراحل الكبير بصمات واضحة في تاريخ السودان في المجالين السياسي والتنفيذي، وظل مساهماً بقوة فيه حتى آخر أيامه.. رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح الجنات العلا مع النبيين والصديقين والشهداء.
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة