الحرية والمسؤولية جدال لا ينتهي
< استضافت وزارة الإعلام أمس ملتقى للحوار حول الإعلام ما بين الحرية والمسؤولية، بحضور ومشاركة رئيس البرلمان ونائبه، في جلسة طويلة وساخنة دارت فيها مناقشات حامية بين الصحافيين وقيادات الأجهزة الإعلامية حول موضوع الملتقى الذي ابتدره وزير الإعلام وتحدث فيه وزير الدولة للإعلام، وقدم فيه الأستاذ الكبير محجوب محمد صالح ورقة حول جدلية الحرية الإعلامية والمسؤولية المهنية والقانونية والأخلاقية. < وخيمت أجواء الحوار الوطني وقرارات الرئيس الأخيرة بشأن الحريات السياسية على أجواء الملتقى ونقاشاته، وكانت بعض المشاركات والسجالات بعيدة تماماً عن القضية المطروحة وهي قضية على قدر بالغ من الأهمية، إذ ترتبط صدقية توجهات الحكومة بما يمكن أن تكون عليه حالة الحريات الصحفية والإعلامية في البلاد.. وتأخذ الساحة السياسية عافيتها بتخلص وتعافي الإعلام من القيود والحالة المرضية التي تصيبه جراء العسف الأعلال التي تشل فاعليته وتطعن في مصداقية ما ينشر ويبث من خلاله. < وغالباً ما تتواجه السلطة والصحافة ووسائل الإعلام في مثل هذه الملتقيات، كل يأتي بحججه ويحاول تعرية الطرف الآخر مما يتدثر به من مبررات، لكن لا يغوص الجميع عميقاً في الأسباب التي تؤدي في الغالب للعلاقة المأزومة بين الطرفين. ويظن رواد أندية السياسة والحكم، أن الإعلام خادم ذليل للسلطة، يأتمر في الأنظمة القابضة بأمرها وتتحكم فيه أدوات السلطة فتقهر إرادته وتوجه مساره، وهو مفهوم بالطبع يناقض الحرية ودور الإعلام الحقيقي كأهم وسائل توجيه المجتمع وصناعة وتشكيل اتجاهاته وعقله وتفكيره ومواقفه. < وفي مقابل ذلك يشعر المشتغلون في مجال الإعلام والصحافة، بأن الظلم يحيق بهم وبعملهم عندما تستأسد عليهم السلطة وتقف في حلاقيمهم وتخصف أقلامهم وتمارس عليهم الوصاية وتهيمن على مهنيتهم وتجعلهم يعيشون تحت ظلها، فيسعون إلى انتزاع حقوقهم مهما كلف ذلك من ثمن، فبعضهم يصانع الحكم وأجهزته، وبعضهم يهادن وهو غير مقتنع ويتحين الفرصة التي يتحرر فيها من هذه القيود. < ولا تخرج العلاقة من هذا الإطار، في أي مكان وزمان في عالمنا الذي نعيشه إلا في الديمقراطيات العريقة التي في نفس الوقت قد تلجأ إلى إجراءات استثنائية في بعض الأحيان وهي قليلة، للحد من حرية الإعلام. < وفي حالتنا يجب أن ننظر بعمق إلى سبب المثالب التي تراها السلطة أو رواد السياسة في وسائل الإعلام، التي تولد حساسيتها وخوفها من إطلاق الحرية السياسية، وتجعلها تتهم وسائل الإعلام بالخروج من قواعد المهنية والولوغ في الأخطاء والتجاوزات. < ففي تقدير كثير من المهتمين بقضايا الفكر وعلم الاجتماع السياسي، فإن السياسة بوصفها ممارسة عندما تنحط وتتراجع وتنحدر فإنها تجر معها كل شيء إلى الحضيض، فالإعلام والثقافة والآداب والفنون والإدارة والرياضة والإبداع، كلها تسقط إلى القاع إذا كانت السياسة هي نفسها في أدنى درجات سقوطها وانحطاطها. < فالإعلام يظل مثل غيره، يتبع السياسة عندما تهيمن هذه الأخيرة على كل شيء في الحياة وتصبغه بصبغتها وتلونه بألوانها الخادعة، فإذا ارتفعت السياسة إلى فضاء القيم الفاضلة مثل الحرية والصدق والعدل والإنصاف والشفافية والنزاهة والإخلاص والجدية، سيجد الإعلام نفسه يحلق بجناحين في هذه السماء العالية الزرقاء اللامعة مثل اللؤلؤ المنثور. فالحرية والمسؤولية في الأداء الإعلامي كما جاء في نقاشات الأمس، مرهونة بما يطرأ على السياسة من تغيير وإصلاح وتحولات، سينصلح الإعلام ويكتسب مسؤوليته الأخلاقية والمهنية ما لم تغمس السياسة أياديها في لجته فتعكرها بالإكراه والترغيب والترهيب.. فهذه هي ببساطة الأزمة التي نعيشها في مجتمعات مازالت في مرحلة التكوين والانتقال والتحول. < ويربح الإعلام نفسه ومسؤوليته عندما يجد نفسه في مواجهة المجتمع دون قيود تكبح قدرته على القيام بواجباته، فيلتزم تجاه المجتمع ويرضخ لما تمليه عليه المسؤولية الاجتماعية والقواعد المهنية التي سيحاسب عليها ويوضع على ميزانها. < فمهما اجتهد الناس في التفسيرات والتأويلات فإن الحرية كل لا يتجزأ، وبحر واسع لا يمكن الفصل بين أمواجه وتلاطمات مياهه، فمن أراد للحرية الإسلامية أن تتحلى بالمسؤولية عليه ألا يحاصر القطة في ركن ضيق. [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة