فــي ولايتين
< قضينا يوم الجمعة وأمس السبت في ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض في زيارة خاصة لغرض اجتماعي، ورحلة قصيرة في أعماق هاتين الولايتين تكشف حقيقة الأزمة المتعلقة بالحوار الوطني وما يجري في المستوى النخبوي للسياسة في بلادنا، وعلى أطراف الحوار الحكومة وأحزابها والمعارضة وتحالفاتها وتجمعاتها والأحزاب الواقفة تتفرج من على الرصيف، عليها جميعاً أن تنتبه وتفهم حالة العزوف العام والانصراف الكامل لقطاعات الشعب والجماهير وعامة الناس عن الملهاة السياسية برمتها، فلم يعد هناك من يحفل كثيراً بما يدور في حلبة الصراع السياسي ومحاولات جعل الحوار هو التعويض المناسب عن المواجهات والصدامات. < قابلنا في هاتين الولايتين مختلف المنابت والانتماءات السياسية وغمار الناس وبسطاءهم، فلم نلحظ على الإطلاق اهتماماً كبيراً بما يجري في العاصمة الاتحادية وعلى مسرح السياسة القومي الذي تقدم فيه عروض الحوار الوطني أمام النظارة والجمهور، فالمواطن في وادٍ والساسة في شغل فكهون، يلوكون عبارات ملها الناس وعافتها نفوسهم، فالسياسات لم تعد تجتذب اهتمام كثير من المواطنين المشغولين فقط بقضاياهم وهمومهم الحياتية المتعلقة بتوفير القوت لأبنائهم وعائلاتهم والحصول على الخدمات وضمانات العيش الكريم والجري والأرزاق. < والسبب في ذلك مفهوم نوعاً ما، لكن الأكثر إلحاحاً هو السؤال، لماذا يبتعد الناس عن شواغل السياسة، وينفرون منها ومن معطياتها ونتائجها؟ الإجابة بسيطة للغاية، أولها أن الاهتمامات باتت مختلفة والأولويات معكوسة، ولم تستطع الحكومة ولا المعارضة الاهتداء إلى الشعارات الحقيقية لاجتذاب المواطن إلى نقاشات الحوار الوطني حتى يزيد اهتمامه به وينتظر بأمل حثيث ما يتمخض عنه. < فإذا كان المواطن يشعر بأنه في وادٍ والطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة في وادٍ آخر، فما الذي يجبره على انتظار ومتابعة سجالات وجدالات الكلام الذي لا يتحول إلى حقيقة تجعل من السهل الحصول على رغيفة خبز وحبة وجرعة دواء ومصاريف مدارس ولقمة عيش؟ وبسبب أن الحوار الوطني نفسه يواجه اليوم مأزقاً في المفاهيم والآليات والأهداف والتوقعات المرجوة باعتباره بات مطلوباً لذاته دون أن تكون هناك مضامين موضوعية وحقيقية تجسده وتعطيه معناه الدقيق، فإن مواطني الولايات نظراً لما تلمسناه في ولايتين مهمتين تنعمان بالهدوء الأمني والسياسي والاجتماعي وتصلحان لقياس رأي حول ما يدور في الساحة السياسية، لا يحسون أو يشعرون بأن الحوار الذي يستعر في الخرطوم وأجواء الحريات العامة، يمكن أن يقود لإصلاح منشود على مستوى الحكم الولائي والمحلي. < فالحديث عن الإصلاح لم يتجاوز حتى اللحظة إطار ودائرة الحكومة الاتحادية، فالولايات تعيش ظروفاً بالغة التعقيد لغياب الحكم الرشيد وتسلط الولاة وغياب التنمية وشح الخدمات وسوء الأوضاع المعيشية وانطفاء الأمل في النفوس من الخيبة التي ناءت بكلكلها وأسدلت ستورها لعدم اشتمالها بمظلة الإصلاح والتغييرات التي حدثت في مركز السلطة وضعف الأداء الحكومي الولائي وصعوبة تحقيق أهداف التنمية والسلام. < ولذلك يتوجب على كل أطراف الحوار الوطني خاصة الحكومة وحزبها، النظر بعمق في إيصال الحوار وتنزيله بشعارات واضحة وواقعية لأهل الولايات حتى ينفعلوا به، فمع ضعف كل الأحزاب في الولايات، لا بد من إدارة الحوار المحلي حول القضايا التي تهم المواطنين وتجعلهم يشعرون بأن هناك فرصاً سانحة لإنعاش تطلعاتهم في حسن إدارة الحكم وتهيئة الظروف المناسبة لفاعلية أكبر تحقق النهضة والتنمية وتوفر الخدمات. < الواقع مزرٍ، وعلى المؤتمر الوطني أن ينقذ ما يمكن إنقاذه في كثير من ولايات البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فقد طفح الكيل بمواطني هذه الولايات وقلَّ الرجاء، ولم تعد آذانهم تصغي أو أفئدتهم تهفو وتسمع!! [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة